عبد اللطيف عباس شعبان:
طال الحديث جداً عن قضية إصلاح القطاع العام، حتى كدنا نعد المدة بالعقود وليس بالسنوات، وليت أولي الأمر عملوا لأن نعدها بالأشهر لا بالسنين، وما كان ذلك بمستحيل كله، إن كان من الجائز تتالي بعضه بالتتابع، فالتردي الذي انتاب القطاع العام الإنتاجي، بدأ عقب وصول إنتاجه إلى الثلث الأخير من سفح القمة، لا بل إن بعضه قاربها، وكان من المتوجب المسارعة لإصلاح الخلل الجزئي الذي اعترى كل مؤسسة في حينه، لا التغاضي المتتابع حتى أصبح الخلل شبه كلي فيها، والطامة الكبرى أن هذا التغاضي تم إلى أن عم الكثير من المؤسسات، حتى لم يخطر ببال أحد المطالبة بإصلاح هذه المؤسسة أو تلك، بل وصل الأمر إلى موقع المطالبة بإصلاح القطاع العام مجتمعاً، وكأن الخلل طاله بمجمله، خلافاً لما هي عليه الحقيقة، فبعض المنشآت لا زالت حتى تاريخه تعمل بنجاح، ولكن بعض مسببي الخلل أومن حصدوا النتيجة، توهموا وأوهموا بتورم الخلل العام، وكأنه غير قابل للشفاء، ومن كانوا السبب في هذا الخلل وجهوا بفتح القبر، وسارعوا بكل خبث لتحضير نعش تشييع جنازته مكبّرين، ومن المؤسف أن بعض من حصدوا النتيجة المؤلمة استعدوا للمسير في الجنازة وترديد “كل من عليها فان”، ولكن الخُلُص الأنقياء من المواطنين الشرفاء الأذكياء – اقتصاديين واجتماعيين وسياسيين وإعلاميين – صاحوا بأعلى صوت، أيها الناس قفوا مكانكم، إن من ترغبون دفنه ليس بميتا، بل هو مريض وما زالت عروقه تنبض، وخفف الوطء أيها الشيخ فصلاة الميت لا تجوز على الحي، فعاد الجميع أدراجهم ولكن ما من أحد ردم القبر، وقلة أولئك الذين عادوا لمداواة المريض، فكثير من الممرضين في سهر ومثيلهم من الأطباء في سكر، وحاملوا همومه على نار تستعر.
أولي الأمر في يقظة عندما يرن المنبه، ولكن كم أوقفوه وعاودوا النوم، ولكن المنبه يعيد الرنة كل صباح، فلا تلذذوا بنومهم إلا قليلا، ولا استثمروا استيقاظهم إلا ما يقارب، فدعواتهم لإصلاح القطاع العام متكررة، وإنجازاتهم في ذلك مقصرة، أكثر مما هي متعثرة، لا بل أصبحت متأخرة وجد متأخرة، فكثير من اللجان بدءاً من لجنة الـ/35/ قبل سنوات، وما أعقبها من لجان متتالية لم تقارب الإصلاح، بل رافق عملها المزيد من الإرداء والتردي، وقبل فترة وجيزة كان الأمر بين يدي لجنة برئاسة وزير، معنية بالقرار في ذلك خلال ثلاثة أشهر، ولكن لجنة القرار خلصت بالإجماع، إلى ضرورة تحليل الواقع الراهن للقطاع الاقتصادي العام والعوامل المؤثرة فيه، ودراسة الواقع الراهن لكل مؤسسة أو شركة وفق عدة مؤشرات، يتم تصنيفها وفق إنتاجيتها وتكاليفها وربحيتها، ومدى أهميتها الاستراتيجية، ليصار إلى تقديم المقترحات الملموسة والتفصيلية لإعادة هيكليته وإصلاحه، بما يتناسب مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وتأهيل القطاع ليكون فاعلاً في مرحلة إعادة الإعمار، انطلاقاً من تمكينه من استقلاله إدارياً ومالياً، وتعزيز إنتاجيته وزيادة مرونته، بما يمكنه من تنافسية عالية بعد إنجاز إعادة هيكليته مع الاستفادة من آليات التشاركية، وإبقاء ملكية الدولة كاملة عليها، ومنحت اللجنة كل وزارة مدة زمنية لا تتجاوز / 6 / أشهر لإعداد الدراسة والمقترحات والمصفوفة الزمنية اللازمة لإصلاح المؤسسات والشركات ذات الطابع الاقتصادي المرتبطة بها، بالتنسيق ووفق معايير وآليات نموذجية تضعها اللجنة، التي أكدت ضرورة التعاون والتنسيق التام بين الجميع بما يتناسب وأهمية الخروج بتوصيات ومقترحات، تكون الأساس والمنهج لإصلاح القطاع العام الاقتصادي.
مدعاة للسرور الكبير أن اللجنة تؤكد على إبقاء ملكية الدولة كاملة على القطاع العام وتعزيز إنتاجية وزيادة مرونته بما يمكنه من تنافسية عالية، وضرورة أن يكون هذا القطاع فاعلا في مرحلة إعادة الإعمار، وهذا يستوجب ألا يغيب عن أذهان أولي الأمر، ضرورة اعتبار أفضلية إعماره أولا، فإعماره الإنتاجي سيساهم في مجمل الإعمار الإنتاجي والخدمي معا، ومن الخطأ الكبير البدء بالإعمار الخدمي إلا بما يخدم الإعمار الإنتاجي، وضرورة التمعن في آليات التشاركية المطروحة، إذ ما الفائدة من ملكية الدولة لمؤسسة ليست بيدها إنتاجياً ومردودها الاستثماري أو الإيجاري أو التشاركي أقل بكثير مما يحقق الطرف المستأجر أو المستثمر أو المشارك، خاصة وأن بعض عقود الإيجار أو الاستثمار أو التشاركية تستمر لمدد طويلة.
خلاصة القول: إن الإصلاح بشكله العام هو حصيلة خيار وقرار معاً، إذ لا ينفع الخيار بلا قرار ولا ينفع القرار بدون خيار، والمؤسف أننا عانينا المزيد من تخبط في القرار وخلط في الخيار، ما يجيز بل يوجب سؤال أولي الأمر عن عدم نجاحهم في إصلاح القطاع العام حتى تاريخه … وكم هي الخسائر الكبيرة التي ترتبت على ذلك…وتبقى الخشية قائمة، من ألا تنجز الوزارات ما هو مطلوب منها خلال الستة أشهر القادمة، وتظهر الحاجة للجان أخرى جديدة، وحقيقة الأمر أن إصلاح القطاع العام رهن صلاح القائمين على إصلاحه، رهن الهمة الجادة والاهتمام الصادق.
عبد اللطيف عباس شعبان / عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
هذا المقال منشور في صحيفة البعث العدد / 15989 / ليوم الأربعاء 6 / 12 / 2017