تخطى إلى المحتوى

بوابة على الماضي..

بانوراما طرطوس- دارين العبود:

عندما تمضي الأيام وتتوالى الأزمان…تتغير الأحوال.. إنها طبيعة وقانون الحياة.. لاشيئ يبقى على حاله..، كان قد مضى من الزمن الكثير وأنهيت سنين دراستي..، وقلتُ وداعاً لبوابة المعهد.. بعد أن جال قلبي طويلاً في ساحته الكبيرة… أنا وأصدقائي قد قمنا بطقوس الوداع… وكانت تلك كؤوس الشاي الأخيرة نشربها معاً… ومضى كلٌّ في دربه… 

تلك الشهور… تتوالى ولا تتعب أبدا.. لاتقف ولاتسترح من عناء مسيرها وسفرها..، كنت بأحد الأيام أقف وأنظر إلى هؤلاء التلاميذ الصغار، وهم يعبرون الشارع ذاهبين إلى المدرسة…، هنا حيث ينتهي طريقٌ ما، ويبدأ طريق آخر…، وبينما أنا بهذا التأمل.. كان قد ورد إتصال لم أكن أتوقعه أبدا..، كان كالذكرى التي طال سكونها ورقودها.. وقررت أن تستيقظ فجأة…، إنه إتصال من مدرستي الإبتدائية…، تلك المدرسة التي عشت بها طفولتي، ومن منا لايحن لذكريات الطفولة…، فبناءً على اقتراح أحدهم تم الإتصال بي وطلبوا مني القدوم إلى المدرسة لإعطاء الدروس..، فإحدى المعلمات كانت في إجازة..، لم أتردد أبداٌ وفرحت كثيراً…، وأنا ذاهبة، سلكت ذاك الطريق الذي كنت أسلكه أيام المدرسة..، فأستعيد كل الذكريات…، وصلت إلى الباب ودخلت..، نظرت إلى يساري كان ثمة حديقة صغيرة بقرب السور من الداخل..، لاتزالُ موجودة…، يطل عليها شباك غرفة الإدارة…، كنا نتسلل إلى هنا بين الحين والآخر ونلعب، وعندما يتم اكتشاف أمرنا يوبخنا المدير ويحذرنا من تكرار ذلك العمل…، فالباحة كبيرة ولايحلو لنا اللعب إلا هنا!!؟ ضحكت بسعادة لما تذكرته حينها.. دخلت إلى الكوريدور…، وسافر نظري هنا وهناك، لم يتغير كثيراً، وتلك الرسومات لاتزال على الحائط…، تذكرت يومي الأول عندما قدمتُ مع أبي، كنت خائفة ولا أكف عن البكاء..، قال لي المدير لاتخافي ياابنتي تعالي لأريكِ صفك…، ورافقته إلى باب الصف الأول.. حيث دخلنا وطلب مني أن أختار مقعداً يعجبني أجلس به..، نظرت حينها ورأيت فتاة أعرفها كانت ابنة جيراننا، لوحت لي بيدها ضاحكة، وقلت له أريد الجلوس بقرب صبا… وكان لي ما أريد.. أخذت هذه الذكرى مني مجالها ووقتها..، وقبل أن تسرقني الذكريات، اتجهت إلى إلى غرفة المدرسين…، فقرعت الباب ودخلت..، لم يكن أحد في الغرفة إلا معاونة المدير..، تجلس خلف مكتبها بآخر الغرفة.. وقد اسطفّت مقاعد المدرسين بشكل مرتب بباقي الغرفة كما عهدتها سابقا…وتلك المكتبة الصغيرة والخزانة الخشبية لازالتا أيضاً…، ألقيت التحية وأخبرتها بإتصالهم.. فطلبت مني الجلوس ريثما تكتب لي البرنامج… إن المدرسين الآن في حصصهم سيقرع الجرس وسيبدأون بالتوافد إلى هنا…، ياترى هل تغيروا؟؟ فالمعاونة هذه لم أرها من قبل..، وحتى في غرفة المدير وجدت مديرا جديداً…، هل سأرى معلميني القدامى أم لا..، لم أنتظر طويلاً لأحصل على الإجابة..، فقد قُرعَ الجرس….، وبعد لحظات..، بدأ المعلمون يتوافدون إلى الغرفة…، كنت أنظر إليهم علني أتعرف على أحدهم… أو إحداهن… أجل هذه هي الآنسة غادة..كنت أحب شعرها الطويل المجعد…، ولكن يبدو بأنها قد ملت منه وقامت بتقصيره، لم يتغير وجهها كثيراً… ورأيت الآنسة احتساب أيضا جلست بقرب الآنسة غادة… والآنسة أمل أيضا بقربهم…وهناك آخرون لم أعرفهم..، وأنا أنظر إليهم تذكرت قصة(قبعة الإخفاء)..،أحسست بأني أرتديها، أو أني أجلس بزمن آخر أطلُّ عليهم من بوابته..، أراهم ولايرونني..، جال نظري مجدداً، وهاهي الآنسة محاسن تنظر إليّ بتمعن وتساؤل…، للآنسة محاسن بقلبي محبة كبيرة أكنها لها ولا أنساها أبدا…، وقد كنت مميزة لديها أيضاً أنا وصديقة لي كانت تجلس بقربي..، ونظرت إليها بذات التمعن وقلتُ لها:(كيف حالك آنسة محاسن انشالله بخير…)، ضحكت وقالت: أهذا أنتي؟؟! فرحتُ كثيراً بأنها تذكرت وجهي..، جلسنا بقرب بعضنا وسألتني عن أحوالي وعن باقي أصدقائي.. كثيرا منهم لم أكن أعلم أخباره..، وفرحت الآنسة محاسن بوجودي هنا..

وبدأت مهمتي على أحسن حال… وأحبني التلاميذ كثيراً..، عند لقائي بهم للمرة الأولى لم أنسى أن أتعرف على أسمائهم ومايطمحون إليه في المستقبل..، وكنت أعلم بأنهم يحبون التعريف بأنفسهم وأمنياتهم.. كيف لا وقد كنت مكانهم بيوم من الأيام… ويالها من صدفة…، إن هذا الصف كان صفي في السنة الرابعة..، تأملت مقعدي ومررت بقربه وأنا أتجول بينهم، وأتعرف عليهم..، فرحت بهم كثيراً وأمضينا أياماً رائعة…، وكنت أنظر إلى الباحة أثناء الفرصة بشوق كبير، وأتأمل أركانها بتعمق..، كم لعبنا هنا… وركضنا هناك…، ودارت عجلة الأيام من جديد…، وانتهت فترة إعطائي للدروس..، ستأتي المعلمة من إجازتها غداً..، ودعتُ التلاميذ وكانوا قد حضروا لي قصاصات ورقية صغيرة..، كتبوا لي عليها ذكرى بأسمائهم..، وأعطوني السكاكر أيضاً وطلبوا مني أن لا أذهب وأتركهم…، كم أتمنى أن أبقى معكم ياصغار فهذه مدرستي أيضاً..، تمنيت لهم مستقبلا جميلا … وأنا ذاهبة نظرت إلى تلك الحديقة الصغيرة بقرب السور..، وابتسمتُ لها مودعةً..، ومشيت في الطريق أحمل تلك القصاصات البريئة أتأملها..، وسمعتها تقول لي:( إنها الحياة… تذهب أزمان… وتأتي أزمان…).

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print

إقرأ أيضامقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تابعونا على فيس بوك

مقالات