بانوراما طرطوس- دارين العبود:
كانت تتكئ على حافة الشرفة كغصن من أغصان تلك الشجرة الكبيرة التي غطى ظلها جزءاً كبيراً من شرفة البيت… حتى إنها أصبحت جزءاً لايتجزأ من ذلك المنظر الجميل…قد اعتاد كل شيئ هنا على وجودها وأصبح يشبهها.. قد كبُرَت وهَرمَت هي وأحجارُ هذا البيت.. ولاتطيق الابتعاد عنه أبداً.. بل وتخاف الإبتعاد.. كنت أقف بجانبها وأنظر إليها.. وجدتها كالأطفال بتأملها للشارع وذاك الإزدحام الكبير من السيارات والناس.. كان يدهشها لباس بعض الفتيات مثلا وتقول لي: هل أصبحت الثياب الممزقة موضة ويدفعون ثمنها ويشترونها..!! ولماذا كل هذه الخسارة…!!! كنت أضحك على الكثير من تعليقاتها التي لاتعد ولاتحصى…
_ ياجدتي لماذا لاتخرجين إلى الشارع وتتمشين قليلاً ألا تملين من وقوفك هنا..؟!
_ لا أستطيع الإبتعاد كثيراً عن باب بيتنا، سأتوه في العودة ولن أعرف سبيلاً لأعود.. فأنا أضيع ولا أذكر جيدا.. ذاتَ مرة أرشدني أحدُ المارة إلى باب البيت.. أخرج أحياناً حتى نهاية الرصيف فقط وأعود…
وكانت تشرح لي معاناتها مع المرض وبأن عظامها أصبحت أقرب لقطعة بسكويت هشة… هكذا قال لها الطبيب.. وحذرها من اهمال أدويتها..
كانت تحدثني عن الكثير من الأمور وكنت أستمع إليها جيدا.. قالت بأن هذه الحارة كانت جميلة فيما مضى أكثر، كانت اذا لوحت بيدها للجيران تحييهم يردون لها سلامها.. وكانوا سعداء معاً كثيراً.. أما الآن فهي لاتعرف أحداً ولاترى أحداً ممن اعتادت عليهم.. وكانت كمن يفتقد لأصدقائهُ ويعيش على اطلال مامضى..
بالرغم من ضياعك ياجدتي فقد وجدت نفسي بقربك…بصوتك.. بحكاياكِ.. وكأنني لم أعش كل هذا العناء… وكإن هذه اللحظة هي الوحيدة في حياتي ، بقربك هنا على الشرفة تحت ظل الشجرة…
بعيدةً عن كل شيئ مررت به.. لحظات من الصفاء كانت..
حدثيني أكثر ياجدتي.. إن صوتك يرشدني إلى باب بيتي.. ورصيفهُ.. وإلى طفولتي…حدثيني واجعلي من شرفتنا كوكباً بعيداً لايصل إليه أحد… كم أنا محتاجةٌ لأنسى… أنا هنا… فلماذا أبالي..
- الرئيسية
- ثقافة
- بقرب جدتي..
بقرب جدتي..
- نشرت بتاريخ :
- 2018-08-08
- 11:01 ص
Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print
إقرأ أيضامقالات مشابهة
تابعونا على فيس بوك