تخطى إلى المحتوى

تعدّد الزوجات.. بين الضوابط القانونية والمجتمعية والفتاوى الجديدة!

عندما يقال في لغة الأمثال واللهجة العامية بأن «الضرة مرّة» يظن الكثيرون منا بأن هذا المثل سيترجم وقوفاً في وجه قضية تعدد الزوجات، ولكن ذلك لم يتحقق، فلغة الواقع والأرقام تنبئ بأن عدد الرجال المتزوجين من امرأة ثانية خلال السنوات الثماني الماضية بلغ 40 في المئة، حسب مصادر قضائية، وقد اتخذ الرجال في معظم تلك الحالات من ظروف الحرب ومفرزاتها الاقتصادية والاجتماعية ذريعة ومسوغاً للزواج الثاني والثالث وربما الرابع.

يعتقد البعض بأن تعدد الزوجات مسألة فيها نوع من الاستسهال ولا ضوابط لها، كما جاء في مسلسل باب الحارة وغيره من مسلسلات الدراما التي أبدعت في اختراع مسوغات ساهمت في إعطاء التعدد شكلاً مقبولاً، وأدرج العديد منها ضمن قائمة العلاقات الزوجية الناجحة، وهو بالطبع اعتقاد خاطئ ومخالف للحقيقة والواقع، فهناك، وكما بيّن المختصون، الكثير من الضوابط الشرعية والقانونية التي تحكم هذه القضية التي تحولت في أيامنا هذه إلى ظاهرة تجاهل من يدعو إليها أو يقدم عليها تبعاتها ومنعكساتها على الرجل والمرأة والأسرة وتالياً على المجتمع.
محاولات لفهم هذا الموضوع من خلال عدد من الأشخاص تسليط الضوء على موقف القضاء والقانون وعلم النفس والمجتمع من تعدد الزوجات، وستترك الكلمة الفصل لرأي الشارع بشكل عام، والمرأة بشكل خاص فهي التي تدفع الثمن غالياً في هذه القضية وتبلع «السكين على الحدين» -كما يقال- إن قبلت بالأمر الواقع وسكتت، أو في حال طالبت بالطلاق وتركت بيتها وزوجها وأولادها وذكرياتها للزوجة الجديدة.

نرضى ولكن!
من الحزن الذي ملأ قلبها المتشح بالسواد أصلاً بدأت رحلتنا، فتلك السيدة وهي أم لطفلتين أكبرهما في الصف الثاني، وقفت تنتظر في أروقة القصر العدلي وقد اغرورقت عينيها بالدموع، توفي زوجي منذ ستة أشهر بحادث سير، تقول أم راما بغصة وحسرة واليوم سأصبح زوجة ثانية لـ«سلفي» أي «أخو زوجي»، فالعادات والتقاليد في منطقتنا تفرض ذلك، إما القبول بالزواج وإما ترك بناتي والعودة إلى بيت أهلي، وبعد تنهيدة أردفت: الأمر صعب جداً، فمن سيصبح زوجي بعد عدة ساعات كنت أعدّه فيما مضى أخاً وسنداً لي، وكانت زوجته التي تقبلت فكرة أن يكون لها «ضرة» على مضض كأختي وصديقتي، أنا في حيرة من أمري وأشعر بالظلم حتى من أهلي.
على الطرف المقابل جلست سمية مع والدها بانتظار عريس «الغفلة» البالغ من العمر ستين عاماً لتثبيت عقد الزواج، فسمية البالغة من العمر 31 عاماً ارتضى أهلها تزويجها بعقد «براني» وأن تكون زوجة ثالثة، حتى لا يُقال عنها «عانس»، بحرقة تشرح: لم يخطر في بالي في يوم من الأيام أن أكون «ضرة»، ولكن ظروف أهلي المعيشية الصعبة اضطرتني لذلك، ورضى وقبول زوجاته الأولى والثانية المبطن بالكيد والحقد أغشى عيون والدي عما ينتظرني في البيت الجديد.
بعد أن أتم عقد القران خرج أبو محمد 55 عاماً وهو يمسك بيد عروسه البالغة من العمر 25 عاماً، وبعد المباركة لهما أشارت أم ربيع إلى أنها طلبت الطلاق من زوجها الأول بسبب حالته المادية، وها هي اليوم مع ابنها في كنف رجل يعمل سائق «تاكسي»، أصيبت زوجته الأولى بمرض عضال، أما العريس فقال: سأظل أصرف على أم محمد وعلى أولادي وأزورهم، من حقي أن أعيش وأتمتع بحياتي فالشرع قد حلل لي ذلك، وعندما سألته عن العدل في ذلك: استأذن وانصرف.
وفي قصة أبو حسين 48 عاماً الملقب بالمختار في منطقته تسمع العجب، فهو يملك العديد من الشقق وقد ارتأى تأجيرها على العظم لمساعدة المهجرين، وفي إحدى المرات جاءه مستأجر يشكو عدم القدرة على الدفع، فعرض عليه أبو حسين الزواج من ابنته والحجة أنه يريد أن يستر عليها ويساعدهم مادياً، متناسياً زوجته الأولى التي ساندته 14 عاماً، وما إن علمت بزواجه الثاني حتى أخذت أولادها وطلبت الطلاق فوراً، ينوه المختار بأن أهله بشكل عام ووالدته بشكل خاص وأصدقاءه وافقوه الرأي، حتى إن هناك ثلاثة من أصدقائه سبقوه إلى الزواج الثاني من فتيات صغيرات أو أرامل ومطلقات، ويتساءل: أين الخطأ إذا كان الشرع قد حلل «مثنى وثلاث ورباع»، ومشايخنا تبارك تلك الخطوة من أجل «سترة» النساء وعدم وقوع الرجال في فخ المعصية؟!
القاعدة: زوجة واحدة أما الاستثناء فهو التعدد
انطلاقاً من تلك الحجة التي اقتطعها الناس من سورة النساء، تعقد داخل المحكمة وخارجها عشرات الزيجات التي تنضوي تحت عنوان عريض يسمى تعدد الزوجات الذي ساهم بسبب انتشاره في زيادة حالات الطلاق ووصولها إلى ما يقارب الـ٣١ {c8c617d2edb5161bfb40c09fc1eef2505eac4a7abf9eb421cef6944727a2654c} وهو ما تبينه الدعاوى في القصر العدلي، وفقاً للدكتورة منى إدلبي -الأستاذ المساعد في قسم القانون العام في كلية الحقوق – جامعة دمشق، التي بدأت حديثها لـ«تشرين» عن قضية تعدد الزوجات بذكر الأساس الشرعي لهذا الموضوع وهو سورة النساء، عندما قال الله عز وجل في كتابه الكريم: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا، وآتوا اليتامى أموالهم ولا تبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيراً وإن خِفتم أَلَّا تقْسِطُوا فِي اليتامى فَانكِحُوا مَا طَابَ لكم مِّنَ النِساء مثنى وَثلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تعدلُوا فواحِدَةً أَوْ مَا ملَكَتْ أَيمانكمْ ذلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) لافتة إلى أن الآيات الواردة بدأت بالدعوة لتقوى الله في كل شيء ومنها الأسرة وموضوع تعدد الزوجات الذي لم يأت تشريعه من فراغ، بل بسبب ظروف بعينها، وتشرح د.إدلبي: كلنا يعلم بأن الحياة في الجاهلية كانت عشوائية وتعاني الفوضى في كل العلاقات ومنها علاقة الزواج، حيث كان يمكن للرجل أن يتزوج بالكثير من النساء من دون أي ضابط، وعندما جاءت تعاليم الإسلام وهو نصير للمرأة خطا خطوات جبارة وعمل على تنظيم المجتمع ولكنه لم يطلب التغيير بشكل فج إنما كان متدرجاً وهنا يكمن إعجاز القرآن الكريم، وبالنسبة للآية الكريمة قيل إنها أتت على إثر حادثة غطفان إذ كان بعض الصحابة يكفلون الأيتام وحصل أن أحدهم تزوج بإحدى اليتيمات التي وقعت تحت وصايته ولم يدفع لها مهر مثيلاتها من النساء، أو كان بعضهم يمنعها من الزواج من آخر إذا رفضت الزواج منه منعاً من انتقال أموالها، فنزلت هذه الآية لتؤكد حق اليتامى وخاصة الفتيات ورفع الظلم الواقع عليهن، وجاءت آية التعدد، لتحدد العدد بأربع نسوة فقط وتضع قيوداً غليظة على التعدد تكاد تقترب من المنع بناء على قوله تعالى: ( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)، وحيث إن العدل مفهوم صعب المنال بالمطلق وتحقيقه يحتاج جهداً وسعياً من قبل الزوج وأي سعي!!، فعلى الشخص ألّا يقدم على تلك الخطوة إذا لم يلتزم بذلك الشرط فهناك عقاب ينتظره حيث قال رسول الله( ص): «من كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما في القسم من نفسه وماله جاء يوم القيامة مغلولاً مائلاً شقه حتى يدخل النار» فأي رجل عاقل ويخشى الله سيقدم على هذه الخطوة بناء على الشرع فحسب، وبذلك نستنتج بأن القاعدة هي زوجة واحدة، أما الاستثناء فهو التعدد الذي يجب تطبيقه في مجتمع تكون منظومته الأخلاقية والدينية مبنية وفق أسس صحيحة كما نصّ عليها الشرع وعلى كل الصعد ولا تقبل التجزئة.

بانوراما طرطوس – تشرين

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print

إقرأ أيضامقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تابعونا على فيس بوك

مقالات