ما أثار فضولي للكتابة عن مسلسل (مقابلة مع السيد آدم)؛ تلك التعليقات والتحليلات التي شاهدتها على بعض صفحات التواصل الاجتماعي المتابعة لأحداث المسلسل بشكل يومي، حيث أثارت الكثير من القضايا التي تستحق الوقوف عندها، ليس من ناحية تصنيفه الدرامي كأفضل مسلسل سوري فحسب، بل من ناحية ما أثاره من تفاعل وجدل بين شرائح مختلفة موجودة على هذه الصفحات، والأمر الآخر الذي استوقفني أيضاً؛ تلك الرؤية النقدية التي كنا نفتقدها في المرحلة السابقة، وهي نقد الجمهور بشكلٍ مباشر سواء أكان النقد سلباً أم إيجاباً، وعملية تبادل الآراء والرد فيما بينهم عقب كل حلقة من حلقات هذا المسلسل، فعلى ما يبدو أننا أمام مرحلة نقدية جديدة؛ أحد مفاصلها المشاهد عبر (السوشيال ميديا)، وأعتقد أن المؤلفين والمخرجين سيحسبون حسابها، فعلى سبيل المثال لا الحصر أثارت حلقة اختطاف الطفلة ( حياة) التي تمثل شريحة (متلازمة داون) جدلاً كبيراً بين مُسخّف لدور حياة وإعطائها هذا الزخم من الاهتمام، وبين تفاعل الناس معها كمريضة متلازمة داون، واعتقد أن تركيز كاتبي السيناريو (فادي سليم وشادي كيوان) على (حياة) منذ بداية حلقات المسلسل، تحسب لهما في كسب تعاطف الجمهور لاحقاً مع الدكتور آدم، واعتبار انتقامه في الحلقات التالية حقاً مشروعاً رغم عدم لجوئه للقضاء، وهذا الأمر أيضاً أثار جدلاً بين مَن بررانتقام الدكتور آدم، وبين مَن كان مع إعطاء القانون والقضاء حقه، ليبقى اللعب الدرامي مفتوحاً بين ما أظهر منذ بداية الحلقات من ذكاء المحقق ورد( محمد الأحمد) وطريقة تفكيره المختلفة عن الآخرين عبر معرفته الأشخاص من الأشياء التي لا يقولونها، وتصرفه من دون أن يعرف الشخص الآخر ردة فعله أو خطته، وبالمقابل وضع أمام هذا الذكاء العقل المفكر- الدكتور آدم- المختص بالطب الشرعي، الذي أعطى توازناً للمسلسل من حيث الحرب الذهنية بين الاثنين لكشف الحقيقة، وكانت نقطة التحول بالمسلسل بعد اختطاف (حياة) ووضع المشاهد أمام الخيارين الصعبين الذين سيقع فيهما آدم كطبيب أقسم اليمين وشعور الأب، وعبر هذين الخيارين هيأ المؤلف المشاهدين لتركيز جل اهتمامهم على أن ما سيقوم به آدم من انتقام هو الحل الأمثل أمام سطوة مَن قاموا بهذا الفعل وتعاليهم على القانون واختراقه من خلال جعل عاصم (الممثل كرم الشعراني) أحد عناصر الأمن الجنائي متعاوناً معهم بعدة قضايا أخرى عبر تسريب معلومات لهم وغيرها من مساعدات تسهل أعمالهم السيئة، وللإظهار للمشاهد مدى سطوتهم أكثر، تم تجنيد أيضاً الدكتور رامي (كفاح الخوص) الذي كان يعمل سابقاً في الأمن الجنائي، وتعامله مع وسيط العصابات أبو جبري (حسين عباس) ولم يتوقف الأمر عند هذا؛ بل اشتغل على العقل المدبر للشر في هذا المسلسل وهي زوجة ابن آدم المحامية ديالا العباس (رنا شميس) التي أقحمت زوجها يوسف (لجين إسماعيل) بجريمة ليس له علاقة بها، وهي قتل عشيقة معتصم (السدير مسعود) ابن العائلة الارستقراطية والوارث الوحيد لأشهر شركة محاماة تديرها والدته عليا (كارمن لبس)، ناهيك عن إعطاء المبرر لمن ساعد آدم في انتقامه، وهو محبتهم للطفلة حياة الذين أظهرهم المؤلف منذ الحلقات الأولى مجندين فقط لخدمتها؛ ريما (ضحى الدبس) ومصطفى (مصطفى المصطفى) ابن أخت آدم، وأخت القتيلة نور (منة فضالي) والدكتورة النفسية ريتا (تولين البكري) زميلة آدم بالجامعة والعاشقة له، التي لم تتوانَ عن إقحام زميلتها بالسكن الصحفية رهام (سوزان الوز) في قصة نشر “جرائم” آدم من دون أن تعلم أنها دخلت بالقصة وذلك عبر سعيها لعمل سبق صحفي اشتغل عليه آدم بطريقة المدبر المحنك.
ولا اعتقد أن الاشتغال على حبكة درامية كهذه بالأمر السهل في خلق توازن في مسلسل بوليسي، حيث يحتاج التركيز على نقاط تثير حفيظة المشاهد بدءاً من الفكرة المطروحة وانتهاء بأداء الممثلين، فممثلوهذا العمل من دون استثناء أبدعوا في أدائهم، وتوج هذا الأداء الرائع بالمبدع غسان مسعود (الدكتور آدم) من خلاله صمته وردود فعله، فالصمت مختلف تماماً عن برودة الأعصاب، فهو يحتاج لبراعة ودقة ولعب على تعابير الوجه والجسد وردود الأفعال الحركية والنفسية والتحكم بكل عضلة من عضلات الجسم من الرأس حتى القدمين، كل ذلك للوصول إلى الهدف المُبتغى..
وكل ما ذكرته يُعَد من الأمور صعبة التطبيق في حال كان الإنسان يمارس هذا الوضع في حياته الواقعية الحقيقية، فكيف إذا كانت مشاهد تمثيلية والدافع غير حقيقي تماماً، أبهرنا غسان مسعود بتقمص الشخصية بشكل عميق وخالٍ من العيوب، وللوهلة الأولى والثانية وللوهلة المئة يقوم غسان بجعل كل مَن يتابع المسلسل يشك بأن ابنته في المسلسل هي ابنته الحقيقية التي فقدها، حزن عظيم وتجميد أعصاب رهيب و تحكم بردود الأفعال بطريقة لم يسبقه إليها أحد.

وتبقى الإجابة عن السؤال في الحلقات الأخيرة؟ هل فعلاَ آدم يقتل مَن قتل ابنته، أم إنه فقط يجعل المجرمين يعترفون للوصول لكشف الحقيقة، ومن ثم تقديم نفسه للقضاء، خاصة أن هناك انحرافاً في الخط الدرامي أظهره المؤلف بأن أغلب المعترفين لا يوجد لديهم جثث بل اعترافات فقط.