تغيرت أنماط الاهتمام والقراءة لدى مجتمع المعرفة، مع شيوع ثقافة الحصول المجاني على المعلومة ،الذي أتاحته ثورة الاتصالات والمعلومات بظهور الشبكة العنكبوتية في السبعينيات، هذه العوامل بدّلت العادة الصباحية بقراءة الصحف الورقية الرسمية، الأمر الذي انعكس سلباً على مبيعات الأخيرة وانخفاض عائداتها من الإعلانات، مقارنة بشبكة الإنترنت القادرة على الولوج إلى كل صوب وهدب بوقت قياسي لا يتجاوز عدداً من الثواني. وبالنتيجة اضطُرت صحف ومجلات عالمية مثل: شيكاغو تربيون، بوسطن غلوب ولوس أنجلوس تايمز، إلى تقليص موظفيها العاملين في مكاتبها حول العالم، هذا ومن بينها من انطلقت لتكون صحفاً رقمية منذ عام 2008.
واليوم وفي أيامنا هذه نحن نشهد تداعيات تفشي فيروس “كورونا” المستجد، والتي لم تتوقف عند البشر، بل طالت الورق، حيث تقرر منع طباعة وتداول الصحف والمجلات الورقية بعدما أعلنت منظمة الصحة العالمية أن الفيروس يمكنه البقاء حياً لساعات على الأسطح بما فيها الورق، الأمر الذي أجبر دور نشر عملاقة وصحفاً ورقية عريقة على وقف الإصدار إلى أجل غير مسمى.
عادات ثقافية جديدة
الأزمة الاقتصادية العالمية التي أثّرت على الصحافة الورقية تراجعاً وانحساراً، هي اليوم أزمة مؤقتة وعابرة، لأن المواجهة الكبرى التي تقف اليوم الصحافة المطبوعة أمامها هي مواجهة العصر الرقمي، الذي فرز نمطية ذوقية جديدة ومختلفة في عادات القراءة والمتابعة، من حيث مواكبة الأحداث وقراءة الأخبار اليومية بسرعة في أي مكان سواء من المنزل أم في العمل، ومع اختلاف الزمن في الصباح الباكر أو في المساء، وهذه نقطة لمصلحة الصحافة الإلكترونية بنشر السبق الصحفي مباشرة، على عكس المطبوع الذي يحتاج وقتاً للطباعة والنشر.
هذا عدا عن النمطية الذوقية التي أشرنا إليها، فالشباب قلّة من يهتمون بالمقالات الجادة أو بتفاصيل التقارير المطوّلة التي تحمل عمقاً فكرياً كبيراً، والتي يتابعونها على شاشات الهواتف الذكية أو الكمبيوترات، ولكنها في النهاية لا تمنح القارئ أيّ شعور بالراحة.
رصد التفاعل
تقديم المادة الصحفية يختلف بين الصحافة الإلكترونية والصحافة الورقية، فالمحتوى لا يقتصر على ما هو مكتوب -كما في المطبوعة- بل امتد عرض الخبر ليتجاوز ذلك، بمعنى أنه أخذ يعتمد في نقل الأخبار على الفيديوهات مباشرة من موقع الحدث بالصورة والصوت محققاً السبق الصحفي. هذا وتمنح الصحافة الإلكترونية لمتابعيها عبر مواقع التواصل الاجتماعي حيزاً من المشاركة بالحدث من خلال المشاهدة أو القراءة والتعبير عن الآراء و المناقشة، مع رصد مباشر وبشكل فوري عن إحصائيات المتابعة من المتصفحين.
بعضٌ من مزايا
إضافة لما أشرنا إليه أعلاه بالمفاضلات بين نوعي الصحافتين محل الحديث، لابد وتحت عنواننا أن نضيف ما تتميز به الصحافة الإلكترونية، فغير المشاركة بالحديث وإبداء الرأي عبر (التشات) للمتصفحين الذين أعدادهم تفوق مئات الملايين، نقف عند حجم المادة المنشورة، فالقدرة الاستيعابية لشبكة الإنترنت تسمح بتراكم المعلومات وحفظها وأرشفتها، كما يمكن إضافة الشريط الإخباري المتحرك، وأيضا من الميزات الإلكترونية توافر الإمكانيات الفنية من حيث الربط أو الانتقال ما بين المواقع إلى الإذاعات أوالقنوات الفضائية.
العلاقة العاطفية بالورقة
في الختام آراء الخبراء والمختصين تتضارب حول مستقبل الصحف والمجلات المطبوعة، فهناك من يقول بأن الصحافة الورقية ستختفي بحلول عام 2020، على حين يقول آخرون إن آخر مطبوع ورقي سيصدر في عام 2043، ولكن مهما اشتدّت الظروف و الأزمات، إلا أن علاقة المثقفين بالورقة لهي علاقة عاطفية متينة، وليس بالهيّن قطعها، ولا يمكن للصحافة الورقية بأي حال من الأحوال أن تنقرض -لكونها الأكثر ديمومة-مهما تزايدت فاعلية الصحافة الإلكترونية، فالوسيلتان لابد أن تمضيا إلى تحقيق التكامل.
سوسن صيداوي