تخطى إلى المحتوى

الحياة الريفية.. ميزاتها وسلبياتها

د. جوليان بدور:
في الماضي كان سكان المدن يتباهون بحياتهم والرفاهية التى كانوا يتمتعون بها ويهزءون في بعض الأحيان من سكان الأرياف المحرومون في ذالك الوقت من الكثير من الخدمات المتوفرة لسكان المدينة (لا كهرباء لا طريق لا تلفزيون لا سيارات…) مما أنتج مايسمى الهجرة من الريف الى المدينة. في ذالك الوقت، بعض سكان الريف كانوا يخجلون من القول بانهم ولدوا في الريف ومن أب وأم يعملون في الزراعة. شاء الحظ بأنني ولدت في أسرة ريفية لم تهاجر الى المدينة لحسن الحظ، تعمل بالزراعة وتعتمد على ما تدره الأرض من موارد لتربية أفراد الأسرة. ولادتي في أسرة ريفية من أب وأم مهنتهم الوحيدة العمل في الزراعة هو بالنسبة لي حظ لا ثمن له وبأنني اعتبر نفسي حقًا من المحظوظين في هذا العالم. فما هي المزايا التى اكتسبتها من ولادتي في مثل هذه البيئة وما الفوائد التى جنيت منها في حياتي التى قضيتها فيما بعد في فرنسا؟
اولاً – نظراً للعطاء والتفاني من قبل والدي ووالدتي من اجل تربية عائلة من تسعة اطفال بالاعتماد الحصري على الارض والزراعة كمورد للعيش كنا نعمل جميعًا وبدون تردد او تزمر في الارض لتأمين الحد الأدنى من الموارد الضرورية والنادرة مما زاد من التعاون والتعاضد ما بين أفراد الأسرة على حساب الأنانية وحب الذات والتذمر. فما أن بلغت السابعة من العمر حتى طلب والدي مني، وخلال العطلة الصيفية، بالاستيقاظ باكرًا لاصطحاب قطيع من الأبقار الى الحقل الذي يبعد احياناً عن البيت من نصف ساعة الى ساعة وأكثر. اي انني كنت اقضي كل الوقت خارج البيت وفي أحضان الطبيعة مما سمح لي في أكتشاف الكثير من الطيور والحشرات والنباتات وكيفية شروق الشمس وغروبها ومعرفة وقت الرجوع الى البيت بدقة دون امتلاك ساعة او وسيلة اخرى . ومن المفارقات التى اتذكرها هو إن الحيوانات المنزلية لم يكونوا يهابونني، نظراً لصغر سني وقامتي، مما زاد من معاناتي كثيراً ، اذ كان الحمار يرفض لي بالصعود على ظهره عند اصطحاب القطيع إلى الحقل.
خلال المرحلة الثانوية والجامعية ، بينما رفاق الدراسة الساكنون في المدينة كانوا يذهبون لقضاء عطلتهم الصيفية على الشواطئ او في المنتزهات، كنا، نحن أولاد الريف، نعود للقرية لمساعدة الاهل في قطاف الموسم (حصاد الزرع وقطاف الدخان) . مما يتطلب مننا الاستيقاظ باكرًا (اربعة صباحاً) والعمل طول النهار إما في حصاد الزرع أو في قطاف وشك الدخان

ثانيًا- ان العمل بالارض والزراعة في طفولتي سمح لي باكتساب خبرات هامة لمواجهة تبعات وآثار نمط الحياة الاستهلاكية المفرط (تلوث وهرمونات وامراض …) والدفاع عن البيئة والطبيعة .صحيح ما بعرف ركب برغي ولا غير لمبة كهرباء، بس بعرف أنثر البذور وحراثة الحقل وزراعة الخضروات واشجار الفاكهة والزهور. فمثلًا حالياً أقوم بانتاج الكثير من الخضراوات في حديقة المنزل كالسلطة والبقدونس والسلق والبصل الاخضر والفجل واليقطين وغيرها.
ثالثا – وبدلاً من الإندفاع السريع والذهاب الى المطاعم وخاصة مطاعم الوجبات السريعة، أقوم بطهي الطاعم بنفسي بالبيت لي ولأسرتي وباستخدام خضروات التي زرعتها في الحديقة مما يعتبر عامل هام في الحفاظ على اللياقة والصحة البدنية وتقليل الأضرار بالطبيعة والبيئة الناجمة عن نمط الإستهلاك السريع.
وبالفطرة وبدون قصد أنني أصبحت ميال للعيش في وسط طبيعي بعيد عن الضجة والتلوث وغير مضر بالبيئة والطبيعة. وربما هذا يشرح لماذا بيتي هنا في الجزيرة يبعد أكثر من عشرة كم عن المدينة ولماذا كنت من المؤسسين الأوائل في الجامعة لتدريس المواد مثل اقتصاد البيئة والموارد الطبيعية والاقتصاد الاخضر وتحول الطاقة. فهل تعرفون أصدقائي الاعزاء لماذا أنا فخور بولادتي من أب وأم كانوا يعملون بالزراعة في قرية ذات جمال طبيعي قلة امثاله. شرب فنجان قهوة أمام كوخ أو بيت صغير ومنظر طبيعي جميل وهواء صافي ونقي هو بالنسبة لي أفضل من ألف اقامة ذهبية في اضخم الفنادق وما بين اكبر ناطحات السحاب والمولات. فرحم الله والديا ورحم أمواتكم جميعًا.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print

إقرأ أيضامقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

تابعونا على فيس بوك

مقالات