علي عبود
لا نستبعد أن يكون عدد كبير من الحرائق التي اندلعت في الغابات والحراج مفتعلاً ومتعمداً، والهدف كما في السنوات الماضية الاحتطاب الذي ينتعش مع اقتراب فصل الشتاء! وبالمقابل نستبعد أن تكون وزارة الزراعة حذّرت الحكومات في السنوات السابقة من النتائج المدمّرة، لشحّ مادة مازوت التدفئة من جهة ورفع أسعارها من جهة أخرى، على الغابات والحراج!.
وتشير عمليات ضبط عدد كبير من شاحنات الحطب المهرّب إلى أن تجارة الاحتطاب لا يمكن أن تزدهر أسواقها إلا بافتعال الحرائق التي نادراً ما يتمّ القبض على مرتكبيها لنقص في الإجراءات وضعف في الإمكانيات، وعدم مشاركة المجتمعات المحلية في الحفاظ على الحراج القريبة أو المجاورة لقراهم. ولم نسمع خلال السنوات الماضية عن عقوبات صارمة ضد متسبّبي الحرائق، بل إن معظمهم يفلتون من القصاص، ويكررّون فعلتهم باحترافية عاماً بعد عام.
ومع اندلاع هذا الكمّ الكبير من الحرائق، وبعضها كان خطيراً جداً على السكان القريبين من الغابات، نسأل: ما فعالية الإجراءات الاحترازية والوقائية لمنع اندلاع الحرائق؟ والسؤال الأهم: هل لدى الجهات المعنية، كوزارتي الزراعة والإدارة المحلية، الإمكانيات الكافية لتطويق الحرائق ومنع امتدادها إلى مساحات واسعة؟
ليست المرة الأولى التي نطرح فيها مثل هذه الأسئلة، وفي كلّ مرة يأتي الجواب: اتخذنا الإجراءات اللازمة لمنع انتشار الحرائق في العام القادم!!.
حسناً، ما الإجراءات التي تعتمدها وزارة الزراعة لمنع الحرائق التي يستفيد منها تجار أحطاب التدفئة؟ حسب مديرية الحراج في وزارة الزراعة، فإن “هناك إجراءان مهمّان لحماية الحراج من التحطيب، واللذين شكلا رادعاً كبيراً لظاهرة التحطيب: الأول يكمن في قانون الحراج الجديد رقم 39 لعام 2023، والإجراء الثاني قانون الضابطة رقم 26 لعام 2024″.
نحن هنا، بعد اندلاع أكثر من 100 حريق بتزامن مريب، أمام فرضيتين لا ثالث لهما: الأولى أن مديريات الزراعة لم تقم بتطبيق قانوني الحراج والضابطة إلا في الحدود الدنيا، والثانية هي عدم فعالية الإجراءات الميدانية والفعّالة أو غيابها لتطبيق القانونين!! وبدلاً من تعداد أنواع العقوبات بحق المعتدين على الحراج والغابات، وبأنه تمّ تنظيم نحو 1400 ضبط بجرم التعدي على الخراج، فإن السؤال يطرح نفسه: لماذا لم يحدّ القانونان من حجم الحرائق هذا العام والذي تجاوز حرائق الأعوام الماضية؟ أكثر من ذلك إذا كان قانون الضابطة رقم 26 الذي صدر بتاريخ 12/ 9/ 2024 أعطى صلاحيات واسعة لقوة الضابطة الحراجية لتقوم بحماية الأحراج وللحدّ من ظاهرة الاحتطاب، فما أسباب انتشار الحرائق قبل حلول فصل الشتاء أكثر فأكثر؟، وإذا كان قانون الضابطة وقانون الحراج الجديد – حسب وزارة الزراعة- ساهما في خفض التعديات على الحراج والاحتطاب “والحدّ كثيراً من هذه الظاهرة الكارثية”، فهل هذا يعني أن الحرائق كانت ستكون أكبر وأخطر مما هي عليه منذ أسابيع؟.
الخلاصة: كشفت الحرائق الأخيرة أن لا إجراءات إحترازية ولا زاجرة تمنع اندلاع الحرائق في كلّ مواقع الحراج والغابات تقريباً، بل إن الإجراء الفعّال لمنع الاحتطاب، وهو توفير أحطاب التدفئة بكميات كافية وأسعار منافسة، أخفقت وزارة الزراعة بتنفيذه، ولم تستطع استيراد الـ 10 آلاف طن من الأحطاب الجافة المخصّصة للتدفئة التي وافقت عليها الحكومة، مع أنها أقل من احتياجات السوريين مع الشحّ الشديد لمادة المازوت في فصل الشتاء وخاصة لسكان الجبال والمناطق الباردة.
البعث