تخطى إلى المحتوى

سُوريَّة… وحكاية الأمل لأطفال غزة

الطفلة جنى النابلسي:

كنتُ أجلس في زاوية غرفتي البسيطة، بين كتبي المدرسية ورسوماتي المتشابكة، حين سمعت صوت الأخبار من التلفاز… كان هناك قصف على غزة، أطفال يصرخون، وأمهات تركض بحثاً عن أبنائها. خفق قلبي بسرعة، ليس خوفاً، بل وجعاً لا أعرف من أين أتى، وجعٌ اسمه: التعاطف.

أنا من سورية، وُلدت في قلب الحرب، وكبرتُ وأنا أستمع للأحداث، وأفهمها لأنني أعيشها. بالمقابل ما طغى على الأصوات بالخارج، تلك الأيام الجميلة في بلدي، وفي مدرستي، ومع ألعابي الآمنة، والأهم مع ضحكة أبي وأمي وأخي الصغير.

لكن الحرب غيّرت كل شيء، أصبح الأطفال في سورية يعرفون صوت القصف قبل الحروف، ويخافون من الطائرة أكثر من صوت المعلمة.

تأثر التعليم، وخسر كثيرون بيوتهم وأحبّاءهم، وكبرنا وسط الفقر والخوف، وكأن الطفولة أصبحت حلماً بعيداً.

كانت تلك المعاناة قبل أن تبدأ خطوات التحرر، حين كانت الحياة تُدار تحت القيد، وكانت الطفولة تُختطف من بين أيدينا.

كنا نحلم بالحرية، لا نعرف شكلها، لكننا نؤمن أنها ستأتي، وأننا سنعود نضحك في المدارس، ونرسم على الجدران لا نختبئ خلفها.

وعندما رأيت صور أطفال غزة، شعرت وكأنهم يعيشون الكابوس الذي عشناه نحن.

طفل بجسد هيكل عظمي، كأنّه خرج من كتاب مادة العلوم، لكنه حقيقي هذه المرة.

طفلٌ يبكي من الجوع، ويبتسم حين يحصل على كيس طحين، ويغرد حين يحصل على كأس من الماء، تلك لحظة الفرح محمّلة بألم العالم كله.

طفل من سورية، وطفل من غزة… كلاهما يعرف معنى أن يُحرم من المدرسة، أن ينام على صوت الانفجار، أن يرى أصدقاءه يموتون، وأن يتعلّم كيف يكون كبيراً قبل أن ينضج قلبه.

كلاهما يعرف أن الحلم ليس لعبة جديدة، بل القليل من الطعام والشراب.

مشهدٌ واحد جعلني أتساءل: لماذا يعيش الأطفال هكذا؟ أين أصواتنا؟ أين العالم؟

لكن هناك أمراً لا يتغيّر مهما حدث… الأمل!

أنا أحلم أن أكون طبيبة، لأداوي هؤلاء الأطفال، وأمسح دموعهم، وأقول لهم: لا يزال هناك غدٌ، ولا تزال هناك ضحكة تنتظر أن تُولد.

أحلم أن يذهب أطفال غزة إلى مدارسهم، ويمتلكون دفاتر جديدة… حلم بسيط، لكنه عظيم.

أنا لم أعِش الحرب مثلهم، لكن صوتي من أجلهم، وقلبي معهم، بأن الأطفال ليسوا ضحايا فقط، بل هم طاقة الحياة، وهم الغد، وهم الجواب.

سأواصل الكتابة، وأحلم معهم.

لأنني جنى النابلسي، طفلة من سورية، لكن صوتي يخرج من قلب غزة… ومن قلب كل طفل عرف الحرب، وقرر أن يحلم رغم كل شيء.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print

إقرأ أيضامقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

تابعونا على فيس بوك

مقالات