من المعهود أن الأغلبية العظمى من طالبي العمل يرغبون العمل لدى جهات القطاع العام، وبعضهم يتعاقد مسبقاً مع إحدى الجهات الرسمية من على مقاعد الدراسة، كل ذلك لأن العاملين في الدولة مشمولون بالتأمينات التي تقضي باقتطاع نسبة من رواتبهم الشهرية لحسابها، ما يجعلهم يستحقون راتباً تقاعدياً، إذا أمضى العامل أكثر من عشرين عاماً، وتعويضاً عن كل سنة خدمة، إذا كانت خدمته أقل من عشرين عاماً، ما جعل كثيرين منهمكين بالتحصيل العلمي، الذي يأملون أن يوفر لهم عملاً في الدولة.
أيضاً كثيرون (سواء أكانوا عاملين ضمن القطاع العام أم القطاع الخاص) يحصلون على راتب تقاعدي من خلال النقابات والمنظمات التي ينتسبون إليها /نقابة المهندسين – نقابة المهندسين الزراعيين – نقابة المحامين …./، اعتماداً على الاشتراك الشهري الذي يدفعونه، ما يجيز أن يحصل بعضهم على أكثر من راتب تقاعدي (من الجهة التي كان يعمل بها، ومن المنظمة التي كان ينتمي إليها)، حسب وضعه العملي والتنظيمي، وبالتالي يندر أن رفض عامل أو نقابي الاشتراك في التأمين نظراً لتفهّمه الكامل أن في ذلك ضماناً كبيراً له.
وهنا من الجائز التساؤل: ما دامت المنظمات والنقابات الأخرى تضم أعداداً كبيرة من المنتسبين، ولها أنظمة داخلية تحكم عملها، ولها ثقلها التنظيمي والمالي (مثل نقابة المعلمين واتحاد العمال و….) وتتمتع بثقل تنظيمي وإداري ومالي يوازي وقد يفوق نقابة المهندسين، فلماذا لا تعمل على إشراك العضو المنتسب بتأمين يضمن له راتباً تقاعدياً منها، أكان المنتسب يعمل لدى الدولة أم لدى القطاع الخاص، وذلك على غرار ما تضمنه نقابة المهندسين لمنتسبيها، حيث قد يعمل أحدهم لدى الدولة أو لدى القطاع الخاص، وينطبق ذلك على غرف التجارة وغرف الصناعة وغرف الزراعة واتحاد الفلاحين واتحاد الحرفيين، هذه المنظمات التي تتوفر لديها معطيات وإمكانات، تمكّنها من العمل على فرض اشتراك تأميني لكل عضو يرغب من أعضائها، بغية ضمان تحقيق راتب تقاعدي له، لأن أغلبية الأعضاء مستمرون بالالتزام بما توجبه عليهم المنظمة، لارتباط مصلحتهم بها، ما يستوجب أن تعمل جميع المنظمات في هذا الاتجاه.
ونظراً لوجود عشرات آلاف العمال العاملين لدى جهات القطاع المنظم -أكانوا يعملون لحسابهم أم يعملون لدى الغير بأجر– غير مشتركين بالتأمين، لسبب أو لآخر، أرى من الضروري جداً، أن تعمل الجهات المعنية على فرض الاشتراك التأميني الإلزامي لكل من يعمل بأجر، مهما كانت فترة العمل قصيرة، ولكل من لديه ترخيص رسمي بمزاولة عمل، وحض الذين يعملون لحسابهم على ذلك، واعتماد ضمّ الخدمات إذا حدث تقطّع في فترات العمل، وتكثيف الإعلام باتجاه نشر ثقافة تأمينية تحض كل عامل على الاشتراك بالتأمين، وأن يدفع لاحقاً ما يستحق عليه عن فترة الانقطاع، وأيضاً نشر ثقافة تأمين، تؤدّي إلى إقبال مَن لا عملَ ثابتاً لهم لدى جهة ما، وغير منتسبين إلى أية منظمة أو نقابة، لأن يتقدموا بطلب اشتراك تأميني، لدى دائرة التأمين العائدة للدولة (التي يجب أن تكون موجودة في قطاع كل بلدية) ويدفع ذاتياً اشتراكاً محدّداً بشكل شهري أو ربع سنوي، من الدخل الذي يحققه، كي يكون ذلك ضماناً مستقبلياً له، على غرار المبلغ المقتطع من راتب العامل لدى الدولة أو المنتسب إلى نقابة أو منظمة.
إن المزيد من العمل على نشر ثقافة التأمين باعتماد ذلك رسمياً يضمن حياة كريمة بعد سن التقاعد لأعداد كبيرة، ويحقق مصلحة وطنية من خلال المبالغ المالية الكبيرة، التي تتجمع لدى التأمين، والتي يمكن استثمارها لمصلحة الكثير من فرص العمل، ما يستوجب تكاتف وتشاركية جميع الجهات الرسمية والخاصة والمواطنين لتحقيق ذلك، وما هو قائم في قطرنا من إدارات رسمية ومنظمات ونقابات –وما قد تظهر الحاجة لإحداثه- يؤمّن معطيات تؤهّل لتحقيق ذلك، وعندئذ يتأكد للجميع أن الراتب التقاعدي مضمون أيّاً كان مكان ونوع العمل، وبذلك تضعف المزاحمة باتجاه العمل في الجهات العامة، ويتلاشى مفهوم “أنا أعاني من البطالة” إذا كنت لا أعمل لدى الدولة.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
البعث العدد / 15314 / يوم الجمعة 2015-5-15