لعقود خلت كان من الملاحظ والمجمع عليه، أنه كان لدى نسبة عالية من الأفراد والأسر والمؤسسات بأنواعها (أيّاً كان القطاع الذي تتبع له)، ثمة هدر كبير في استخدام المحروقات لغاية الاستهلاك أو الإنتاج الوطني، فضلاً عن استهلاك الأجانب المقيمين والعابرين، إضافة إلى ما لا يستهان به من التهريب الذي كان يتم إلى خارج القطر، كل ذلك كان، ويعود في معظمه إلى انخفاض أسعار المحروقات بشكل كبير (تحت عنوان أن الدَّعم لمصلحة الوطن والمواطن)، وأيضاً كان هناك هدر في استهلاك، واستخدام الكثير من السلع المنتجة، نظراً لكثافة توفرها في السوق بأسعار قليلة، بسبب انخفاض كلفتها، بل تم التمكن من تصدير كميات غير قليلة من مواد عديدة (وبأسعار رخيصة)، نظراً لانخفاض كلفة إنتاجها.
لكن ما شهدته السنوات الأخيرة من ارتفاع أسعار المحروقات التدريجي، حتى وصلت حالياً إلى حوالي /20/ ضعفاً، (مثال ذلك: /المازوت من /7/ ل.س إلى /125/ ل.س) وندرة وجوده بين حين وآخر -أكان لحاجة الاستهلاك الفردي أو الأسري أو المؤسساتي- دفع كثيراً من الأفراد والأسر والمنشآت، إلى الحد من استهلاك أية كمية محروقات –أكان ذلك للاستهلاك أو الإنتاج- في غير مكانها الضروري، خلافاً لما كان عليه الحال يوم كانت المحروقات متوفرة بكثرة وبأسعار رخيصة، إضافة إلى ما تم وضعه من ضوابط على استهلاك العابرين للمحروقات، وانخفاض حجم تهريبها بشكل ملحوظ، وأيضاً ترتب على ذلك انخفاض في استهلاك المواد المنتجة، نتيجة انخفاض كمية إنتاجها، وانخفاض كمية وجودها في السوق، ونتيجة لارتفاع أسعارها، وقد نجم عن كل ذلك حدوث وفر كبير عند كثير من الأفراد والأسر والمنشآت، فيما يخص استهلاك المحروقات والسلع، والحال نفسها فيما يخص استهلاك مادة الخبز وجميع السلع الأخرى التي ارتفعت أسعارها.
من المفترض أن هذا الوفر الذي تحقق –قيمة وكمية- قد انعكس إيجاباً في أكثر من مكان، وتحديداً على الميزانية العامة للدولة والميزانية الخاصة للأسر والمنشآت، ما يستدعي أن يجد من يوليه اهتماماً كبيراً، وذلك على غرار المتابعة والاهتمام اللذين كانا يصدران عن العديد من الجهات البحثية المعنية والمسؤولة، التي كانت تطالعنا خلال فترات متقاربة، بتبيان حجم الخسائر الكبيرة التي كانت تتحمّلها الدولة نتيجة دعم هذه المادة أو تلك، حيث كان وما زال من المقتضى والمتوجب أن تعمل جهات بحثية معنية ومسؤولة، لدراسة ذلك اقتصادياً وتبيان مدى أثره الإيجابي، الذي قد يكون أدّى إلى انخفاض في الإنفاق الاستهلاكي على حساب ازدياد الإنفاق الاستثماري، وعرض ذلك على المسؤولين، ووضعه بين أيدي المواطنين، وخاصة الباحثين والمهتمين والمتابعين منهم، وأيضاً تبيان مدى الأثر السلبي الذي نجم عن نقص توفر المحروقات وعن ارتفاع أسعارها، الذي قد يكون أدّى إلى صرف عاملين من الخدمة، أو إلى توقف بعض المنشآت، ما تسبّب في انخفاض إنتاج كمي أو نوعي لهذه السلعة أو تلك، ما يجعل من الضروري والمفيد تبيان مدى ما ترتب من أضرار ومكاسب لحقت بالوطن ومواطنيه، بسبب ما استجدّ بشأن المحروقات (سعراً وتوفراً)، وما هي الإجراءات والخطوات المطلوب القيام بها من الحكومة ومؤسساتها المحلية والمركزية للحدّ من الآثار السلبية، وتدعيم الحالات الإيجابية، ودراسة مدى حجم ونوعية التشاركية المطلوبة بين القطاعات الاقتصادية مجتمعة وبين المجتمع الأهلي، بغية تحقيق المزيد من حُسْنِ التعايش والتفاعل مع الواقع الجديد، والتأسيس لما يتطلبه الاستعداد للانتقال إلى واقع أفضل، مرسوم وواضح المعالم.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
البعث العدد / 15234 / تاريخ2015-5-29