منذ سنوات والتشاركية الاقتصادية مطروحة نظرياً وتم اعتمادها عملياً بشكل محدود في أكثر من ميدان اقتصادي، ونشهد في هذه الأيام تصعيداً جديداً لهذا النهج الاقتصادي، تحت عنوان أن المصلحة الاقتصادية الوطنية تقتضي ذلك، وحالياً يتم العمل على استكمال قانون التشاركية المزمع إصداره، والمفترض أن يكون هناك إطار تعاقدي ينظم إجراءات طرح مشاريع التشاركية، وطريقة تأهيل الشركات المطروحة، وطريقة استدراج العروض وطريقة التَّرسية، ولا جدال في أهمية وجود هذا القانون الذي سيكون الناظم الأساس لمشاريع التشاركية، المتوقع المزيد منها مستقبلاً.
الجديد في الأمر أننا نسمع حالياً عن طرح رسمي يتضمّن الدعوة إلى تأسيس هيكليات إدارية جديدة معنية بتطبيق قانون التشاركية المقبل، تحت مجلس التشاركية وفروعه في المحافظات، وكأن الإدارات الموجودة التي يعج معظمها بالبطالة المقنّعة في كثير من الاختصاصات غير كافية، فأين الوزارات الرئيسة (التخطيط والاقتصاد والصناعة والسياحة والزراعة…. ومديرياتها الموجودة في كل المحافظات) أليس بمستطاع كل وزارة ومديرياتها، أن تكون معنيّة بما يتعلق باعتماد قانون التشاركية –حال صدوره- بخصوص منشآتها التي قد تنضوي تحت القانون، فلماذا الدعوة إلى تأسيس إدارات جديدة وتحميل الدولة النفقات الكبيرة لزوم متطلبات هذه الهيكليات الجديدة، من أبنية وتجهيزات ومعدات وآليات، وكأن الهيكليات القائمة –المركزية والفرعية- للوزارات والإدارات العامة المالكة –أو ذات العلاقة- والمنتشرة في جميع المحافظات، والمالكة للمشاريع المطروحة للتشاركية، غير موجودة.
أليس من المنطقي التساؤل: هل كل نص قانوني يحتاج إلى هيكليات خاصة به لتطبيقه، ألا يمكن للإدارات القائمة، وتحديداً هيئتي التخطيط (أو إحداهما) ومديرياتهما في المحافظات أن تقوما بالدور المنوط بمجلس التشاركية المزمع إحداثه، وبالتالي لا حاجة لإحداث هذا المجلس مركزياً في دمشق، ولا فرعياً في المحافظات، فالهيكليات القائمة في الإدارات الموجودة -مع بعض التجديد عند الاقتضاء- تستطيع القيام بذلك، ولا حاجة لإدارات جديدة، فجميع المشاريع التي ستتم فيها التشاركية، تخضع لجهات لا تخلو أي منها من وجود جهاز تخطيط فيها، فليتبصَّر أصحاب القرار ويعوا أن الحاجة ماسة إلى تشغيل الإدارات القائمة، واستثمار طاقة عمالها ومعداتها وتجهيزاتها، واستبعاد إحداث أية إدارة جديدة إلا في ضوء الحاجة الوطنية الماسة والمبررة اقتصادياً.
أيضاً يبقى من الضروري الإشارة إلى أن التشاركية –حتى تاريخه- تتم من طرف واحد، قطاع خاص يدخل إلى قطاع عام، إذ إن مؤسسات الدولة القائمة وما قد تقيمه مجدداً، وأيضاً أملاك الدولة (الأراضي)، هي محط دعوة وإقبال القطاع الخاص للتشاركية معه بها، وقد بوشر بالعديد من مشاريع التشاركية هذه، عدا ما هو قيد أو رهن القرار بانتظار التنفيذ، ولكن من الملاحظ أنه يندر أن تكون مؤسسات القطاع الخاص وأملاكه محط دعوة وإقبال القطاع العام للتشاركية معها بها، ما يستوجب أن تكون التشاركية مع وبين جميع القطاعات /العام – الخاص – التعاوني/ متداخلة ومتعدّدة، بحيث لا تكون لمصلحة قطاع على حساب القطاع الآخر، فالتشاركية بالمفهوم الوطني تستوجب أن يقدِم القطاع الخاص على مشاركة الدولة –القطاع العام- له في بعض منشآته، ما هو قائم منها وما هو قيد الإحداث، وأيضاً أن تقبل مؤسسات القطاع العام على مشاركة القطاع الخاص في منشآته، لا أن تنحصر التشاركية في دعوة وإقبال القطاع الخاص على مشاركة الدولة في بعض منشآتها، دون تشاركية متبادلة.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
صحيفة البعث / صفحة اقتصاد ليوم الجمعة العدد 15359 تاريخ 17 / 7 / 2015