بانوراما طرطوس:
منذ فترة قصيرة أصدر مدير الصحة قراراً نقل بموجبه كل من رئيس مركز عين الزرقا الصحي إلى مشتى الحلو ورئيسة التمريض إلى القدموس والسبب المعاملة السيئة والإهمال في تأدية واجبهما تجاه أحد جرحى الجيش خلال مراجعته المركز برفقة والدته..
الحادثة أخذت صدى واهتمام شعبي ورسمي كبير واهتمام مباشر من قبل السيد المحافظ والسيد مدير الصحة وتم من خلالهما إعادة الاعتبار وإنصاف الجريح وعائلته وبالتحديد والدته.. فماذا حدث؟؟
قبل كل شيء نود التوضيح أن الإشارة الى ما نتحدث عنه في هذا التقرير ليس الغاية منه التشهير بأحد أو الاقتراب من الخصوصيات..وإنما الهدف هو اعادة التذكير بواجباتنا جميعا كأفراد ومؤسسات ومجتمع اهلي تجاه الجرحى والشهداء وتقدير اوضاعهم وظروفهم وكذلك مراعاة عائلاتهم التي تتحمل الأعباء الكبيرة بمختلف انواعها وبعيداً عن اية اعتبارات اخرى، إضافة إلى أن يكون ذلك عبرة واتعاظ للجميع لمنع تكرار مثل هذه الامور السلبية التي تعتبر خطوط حمراء وتمس شريحة واسعة من أبطالنا المدافعين عن شرفنا ووحدة وكرامة بلدنا في أي بقعة منه..
البداية..
القصة حدثت قبل حوالي الاسبوعين في مركز عين الزرقا الصحي .. ونروي القصة “بتصرف وبالأمانة الصحفية” على لسان عدد من العاملين في المركز الصحي ومن الجريح وسيم ابراهيم والسيدة والدته وبعض شهود العيان..
وفي التفاصيل.. أنه في اليوم السابق للحادثة وصل الى المركز حوالي الساعة الثالثة من بعد ظهر ذلك اليوم سيارة خاصة تقل الجريح وسيم ابراهيم من مشفى الباسل في طريقه الى منزله في مزرعة وادي الدالة بعد فترة علاج ما بين المشفى العسكري باللاذقية ومشفى الباسل بطرطوس على أمل الحصول من المركز المذكور على بعض الضمادات والمعقمات والبوفيدون وغير ذلك.. ولكن في هذا التوقيت كان قد خرج كل الموظفين باستثناء مراقب الدوام الذي اخبرهم ان الجميع قد غادروا ولا بد من مراجعة المركز في صباح اليوم التالي فقال وسيم انه لن يستطيع القدوم غدا إلى المركز وأن والدته ستأتي وطلب من المراقب ان يحفظ شكلها جيدا ليخبر الاطباء انه جاء برفقتها ليثبت حالته الصحية فوافق مراقب الدوام ووعده بمتابعة الموضوع غداً وإعلام كادر المركز بالموضوع..
معاملة غير لائقة..
وفعلا في اليوم التالي جاءت أم وسيم الى المركز وأوصلها مراقب الدوام إلى غرفة رئيسة التمريض وشرح لها انها جاءت بالأمس برفقة أبنها المصاب وبعد ذلك طلبت الوالدة منها بعض الاحتياجات الطبية مثل الشاش والضمادات والمعقمات.. ولكن رئيسة التمريض رفضت اعطائها أي شيء قبل ان تحضر أبنها إلى المركز مرة ثانية فردت بأن ولدها مصاب ولا يمكن نقله الا بصعوبة بالغة وانها مستعدة لجلب الثبوتيات وانها جاءت من مكان بعيد نسبياً وهناك سيارة اجرة متوقفة بانتظارها وعرضت عليها الذهاب معها الى البيت لترى الجريح ومع ذلك لم تعير الممرضة هذا الحديث اهمية.. فغادرت الوالدة المكان منكسرة مصابة بالإذلال- كما تقول- مستغربة هذا التعامل المجحف بمن يضحي بروحه ودمه من أجل هذا الوطن بينما البعض يستهون مثل هؤلاء الناس ويبخلون بأمور هي ابسط ما يستحقونه من حقوق..
مع العلم انه يوجد فريق في كل مركز صحي مهمته زيارة الجرحى والاهتمام به في بيوتهم..وهناك تعليمات من قبل مديرية الصحة بالوقوف على احتياجات الجرحى وتقديم كل ما يلزم لهم بدون أي تردد أو تردد أو بطئ..
وفي طريق عودتها إلى المنزل عرجت أم وسيم على احدى الصيدليات واشترت ما قيمته 3000 ليرة كمستلزمات طبية وعادت الى البيت لتخبر ابنها بأنها لم تحصل عليهم من المركز انما من الصيدلية وبعدم تلبية طلبها وعدم الاهتمام بالقضية..
شعور لا يوصف..
ويشرح لنا الجريح وسيم كيف كان وجه والدته من الانزعاج والانكسار في تلك اللحظات.. فزاد ذلك من حجم ألمه وأصبح وجعه من نوع آخر من صنيعة بعض أفراد مجتمعه المقربين والمحيطين به والذين من المفترض ان يكونوا البلسم المداوي لجراحه المعنوية والجسدية والنفسية ويروي أنه كان في تلك اللحظة لو استشهد في ارض المعركة ولم يشاهد أمه في تلك الحالة.. فقرر أن يذهب إلى المركز رغم وضعه الصحي فطلب سيارة اجرة وذهب برفقة والدته إلى المركز وهناك صاح وهو لا زال في السيارة بأن يأتي من يساعده في النزول والدخول الى المركز وليتأكدوا انه فعلاً جريح وأنه لا يهدف هو ووالدته بالحصول على بعض قطع الشاش والمعقمات بدون وجه حق.. وهنا صرخت الوالدة من قهرها وألمها منادية رئيسة التمريض بأن تخرج وترى أبنها ولتتأكد من صدق ما تقوله.. ويمكن أن يكون صوتها القوي وغضبها الشديد وانفعالها قد سبب ازعاجاً للممرضة المذكورة..
وهنا تدخل احد الاطباء “الدكتور ايمن سلوم” وحاول معالجة الموضوع والتخفيف من حجم الحدث وامتصاص غضب الجريح وسيم وأمه وفعلاً قام بفحص جرحه وقدم له ما يحتاجه من عناية، وطلب منه عدم تكبير الموضوع وأن ما حدث يجب تجاوزه فالجرحى لهم كل الاولوية في كل شيء.. وما إلى ذلك. وقبل أن يغادر وسيم وامه المركز اتصل رئيس المركز وطلب محادثة أم الجريح وتقول الوالدة: أنه تحدث معها بلغة قاسية وبلهجة لا تخلو من التحقير والتأنيب ويتهمها بالتطاول على رئيسة التمريض والمركز ولم يسلم أحد من كلامه صغيراً او كبيراً ولا داعي لذكر بقية الكلام مع العلم انه اخذ بكلام رئيسة التمريض فقط دون ان يعرف ما هو حقيقة ما حدث فعلاً وهي كانت تتوقع ان تسمع منه كلاما او سؤالا حول صحة ابنها ولكن حدث ذلك…
شكوى بغير محلها..
وبعد عدة ايام يفاجئ وسيم أن هناك من يسأل عن أسم والدته الثلاثي موهماً أياهم انهم يريدون الأسم للحصول على معونة كونها ام لجرحى في الجيش فيستغرب الاهل ذلك ويتم التواصل مع البلدية لمعرفة الحقيقة وكان الجواب بالنفي وانهم لم يطلبوا شيئاً من هذا ولا توجد أية مساعدات حالياً.. وليكتشفوا بالمتابعة أن السؤال عن اسم الوالدة كان بغاية رفع شكوى بحقها في مخفر الحميدية من قبل رئيسة التمريض وبعض العاملين بالمركز وبضغوطات من قبل رئيس المركز بجرم القدح والذم..
اللجوء إلى المحافظ..
وهنا قررت الوالدة اللجوء إلى السيد المحافظ لشرح القضية لعله ينصفها ويجنبها شر الدعوة المقامة بحقها.. وفعلاً استقبلها وكان حاضراً مدير الصحة وشرحت لهم القضية بكل تفاصيلها.. وبعد أن تأكد السيد المحافظ من صحة الواقعة أكد لها أن ما حدث لن يمر مرور الكرام ولا بد من محاسبة المقصرين والمستهترين بواجباتهم وخصوصاً تجاه من يضحي بدمه وروحه فداء لوطنه، ووعدها بعدم السماح باتخاذ أي أجراء بحقها نتيجة الدعوة أو الشكوى.. كما طلب من مدير الصحة اتخاذ ما يلزم لمعالجة هذه القضية ومن بين ذلك إصدار قرار بنقل كل من رئيس المركز ورئيسة التمريض إلى مناطق أخرى.. وفعلاً هذا ما حدث..
اهتمام مدير الصحة..
وبعد عودة الوالدة إلى منزلها بقليل يصل السيد مدير الصحة ليزور الجريح وسيم وليقدم الاعتذار لما أصاب العائلة من أذى معنوي تسبب به بعض الموظفين وهو امر غير مقبول.. وطلب من مركز الحميدية الصحي تقديم كل الدعم والرعاية الطبية اللازمة بشكل يومي للجريح وسيم.. وفعلا قدم الدكتور عيسى حنا رئيس المركز مشكوراً كل الرعاية والاهتمام اليومي..
أخيراً..
لا بد من الإشارة إلى أن هذه العائلة الكريمة هي عائلة أبطال لديها أربعة شباب في الجيش من بينهم البطل وسيم الذي أصيب مرتين مرة في درعا ومرة في ريف ادلب واخيه تم تسريحه بعد ان تأذى بإصابة عصبية دائمة وآخر لديه إصابة آخر، كما أن الأب هو مساعد أول متقاعد ورغم تقاعده لا زالت القطعة التي كان يخدم فيها تستعين به من وقت لآخر من أجل خبرته في مجال اختصاصه..
وحينما تجلس بين بيت هذه العائلة تلمس مدى الطيبة وبذلك الشعور الوطني الرائع الذي تفيض به مشاعر الأم هذه المدرسة الرائعة التي تنجب وتربي أبناء وأبطال لأجل المساهمة في الدفاع عن حمى الوطن وعزته.. أما الأب فتشعر بحضوره أن تجالس رجل وطني شريف مكافح صبور..
إنه باختصار مكان يختصر الوطن برجاله وبخيره وعطائه وانشاء الله بمستقبله المشرق..