ما زالت الساحة الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية تشهد طروحات ونقاشات متعددة، تندرج ضمن إطار الآليات الواجب اتخاذها لتحقيق الإصلاح الإداري والاقتصادي ومكافحة الفساد، بغية معالجة ما هو مجمع على وجوده من خلل وقصور وفساد، وتلبية لتوجيهات رسمية أو شبه رسمية بهذا الشأن.
انبرى مئات الباحثين والإعلاميين السوريين المختصين والمهتمين في شتى العلوم الاقتصادية والإدارية، تكليفاً أو تطوّعاً، وشاركهم عشرات المهتمين بالشأن العام، لتقديم العديد من الطروحات والرؤى التشخيصية المضيئة والعلاجية النيِّرة، وقد تم ذلك بمزيد من التشخيص والتمحيص على أكثر من منبر، وعبر أكثر من وسيلة إعلامية، ولو تم تصنيف وتبويب هذه الطروحات وإقرارها تشريعاً واعتمادها تنفيذاً، لشهدنا خلوّ الساحة الوطنية من كثير مما نشكو منه، ولكننا لم نشهد صدور التشريعات التي كانت متوقعة ومأمولة، بخصوص الإصلاح ومكافحة الفساد، رغم اتخاذ الكثير من الإجراءات بشأن إعداد العديد منها، ولكن كثيراً ما تمت العودة إلى نقطة الصفر أو الواحد، بعد أن كان بعضها على وشك الصدور، وبعضها الذي صدر لم يكن أفضل من سابقه، وبعض ما صدر وتبيّنت أفضليته، حظي بمن عمل على استبعاد اعتماده تحت حجة أو أخرى..!.
من المؤكد أن نفقات كبيرة تكبّدها الاقتصاد الوطني تحت عنوان الإعداد للإصلاح ومكافحة الفساد، أكان ذلك عبر العديد من الإدارات القائمة، أم عبر هيكليات أخرى تم إحداثها تحت تسميات عديدة (لجان – هيئات – مجموعات….)، ما كان منها آنياً أو دورياً أو مستمرّ لآجل، إلى أن اقتضى الأمر إحداث منصب وزير دولة لشؤون التنمية الإدارية، ورغم ذلك استمر الخلل والقصور والفساد، بل بدا أنه يتنامى في أكثر من مكان، ما أسّس للدفع باتجاه إحداث وزارة متخصصة “وزارة التنمية الإدارية”، ولكن الحال ليس أفضل من سابقه رغم مرور عام على إحداث الوزارة ووجود وزيرها وفريقه في الميدان، ما يدعو إلى التساؤل ما العمل…؟.
إن النهوض من حالة التعثر الكبير الذي نشهده في تأخر صدور قانون مكافحة الفساد، وتأخر صدور قانون الإصلاح الإداري وقانون الإصلاح الاقتصادي /الصناعي – التجاري – الخدمي – الإنشائي…./ وتعثر أو تعثير العديد من اللجان والهيئات التي تم تشكيلها لمعالجة ذلك، بما في ذلك حال وزارة التنمية الإدارية حالياً، يتطلب المزيد من الانتقال إلى الأفضل عبر اعتماد الجميع –كل من موقعه– تحقيق ذلك في ضوء ما هو قائم من تشريعات وإدارات، والمترافق مع الإسراع في إعداد واعتماد ما هو واجب الإصدار والإحداث.
لا جدال في أهمية القرار، ولكن توفر الخيارات الصحيحة يغني عن كثير منها، ويسرِّع في إعداد وتشريع واعتماد وتنفيذ الجديد الواجب صدوره منها، فخيار الإصلاح والتنمية ومكافحة الفساد هو الأساس في تحقيق ذلك، بدءاً ومتابعة وإنجازاً، وكلنا يعلم أن قواعد اللغة العربية كانت خياراً قبل أن تصبح قراراً، فالعرب الأوائل أجادوا اللغة العربية قواعد وضوابط شعر خياراً منهم، إذ لم يكونوا يعرفون تلك القواعد والضوابط، ولكن الأواخر هم الذي اكتشفوا هذه القواعد والضوابط، ورأوا وجوب اعتمادها لدى الأجيال اللاحقة، بحيث أصبحت قراراً يوجب الالتزام بعد أن كانت خياراً طوعياً.
حقيقة الأمر تتطلب أن يعي الجميع وخاصة أولي الأمر، أن المشكلة تعود إلى ما هو ناجم عن قصور في الخيارات، التي تتحدث عن الإصلاح ولا تعمل به، وبالتالي فالعمل للانتقال إلى حال أفضل، لا يتوقف على صدور تشريعات وإحداث إدارات جديدة، بل يمكن تحقيق الكثير من الأفضل المنشود عبر تفعيل عمل العديد من التشريعات والإدارات القائمة في ظل الخيارات الحقيقية الموجودة، وتحقيق ذلك سهل وممكن عندما يعقل ويعمل كل من موقعه -وخاصة ذوي المهام والصلاحيات– من منطلق أن كثيراً من الأفضل الواجب الانتقال إليه، يتحقق فعلاً عندما يكون هذا الأفضل خياراً حقيقياً غير مرهون بانتظار الأوامر والتعليمات التي قد تعقب صدور القرار الذي يوجب ذلك، إذ إن اعتماد وتنفيذ الكثير من الخيارات الإيجابية لا يتطلب قرارات، وخاصة أنه كثيراً ما تبيّن أن كثيراً من القرارات لا يجدي نفعاً إذا لم تتوفر خيارات إيجابية لتنفيذه.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
هذا المقال منشور في صحيفة البعث العدد/ 15418 / -ليوم الجمعة 9 / 10 / 2015