ثمة مواد عديدة مجمع على خطورة استهلاكها أو استخدامها، نتيجة ما يترتب عليها من أمراض وتحديداً الحالات المسرطنة، وكثيراً ما يتم التنبيه إلى مضارها عبر الكثير من المنابر الإعلامية والعلمية والتعليمية والصحية، سنتناول في هذه العجالة ثلاث موادّ تندرج في هذا السياق..
البداية مع المشروبات الغازية التي تؤكد كثير من الدراسات العلمية الصحية ضررها، وكذا الأمر بالنسبة إلى المكثفات الصناعية التي يصنع منها الكثير من العصائر، ومع ذلك لم يتبيّن لأي مراقب أو مهتم أو معنيّ أنه قد صدرت أية توجيهات لاتخاذ أية إجراءات فاعلة تحدّ من هذه الصناعة، إذ ما زال العديد من المنشآت المحلية والإقليمية والدولية القائمة يصنِّع هذه المشروبات التي يستهلكها كثيرون على اختلاف أعمارهم، وخاصة الأطفال والشباب، ونشهد تتابع إحداث منشآت جديدة في طريقها إلى الترخيص والإنتاج في أكثر من مكان وتحت أسماء جديدة بالتواكب مع دعاية إعلانية مغرية تحض على الاستهلاك، أليس من الواجب على أولي الأمر في بلدنا وبلدان العالم أن يجهدوا للحدّ من هذه الصناعات تدريجياً عبر أكثر من إجراء والتوجّه نحو إحداث صناعات بديلة من المشروبات الطبيعية المستخرجة من الفواكه الطبيعية التي تفيض عن حاجة الاستهلاك المحلي، ونادراً ما تحظى بالتصدير المطلوب، والعمل على تحقيق إمكانية تصدير العصائر الطبيعية، بدلاً من استيراد مكوّنات تصنيع المشروبات الغازية، ونفخر بأن لدى قطرنا إنتاجاً ضخماً من الحمضيات يسهّل علينا ذلك.
ومن المجمع عليه أيضاً أن التدخين ضار جداً، والكثير من المنابر الإعلامية والعلمية والتعليمية والصحية تؤكّد مخاطره وتوجّه بالعزوف عنه، ولكن وزارة الزراعة (في بلدنا وفي جميع بلدان العالم) تحضّ على زراعته، ومهتمة بجودة إنتاجه وتصنيعه وتسويقه، ولسنوات مضت ارتفعت أسعاره المشجّعة محلياً وعالمياً أكثر من مرة، سواء أكان مادة خاماً أم مصنّعاً، ورغم ما يصدر من تشريعات دولية ومحلية بمنع التدخين بين حين وآخر، ما زال كثيرون يدخنون ومن يعزف من المسنين يعقبه الجديد من جيل الشباب، وما زالت زراعة التبغ مستمرة، ولا نسمع بأنه قد صدرت أية تعليمات بالحدً من زراعته أو تصنيعه، ولم يبلغنا -حسب علمنا- أن جهة ما تهتم بالعمل على إنتاج مادة بديلة يمكن لمعتادي التدخين تدخينها.
أيضاً من المجمع عليه أن استخدام الأواني البلاستيكية في الأطعمة والمشروبات ضار جداً وخاصة حال كانت ساخنة أو باردة، أو حال تم استخدام الوعاء البلاستيكي أكثر من مرة وتحديداً في حال كان ذلك لحفظ بعض الأطعمة أو المشروبات لفترة طويلة، فضلاً عن خطورة انتشار ما يتلف من المواد البلاستيكية، ومدى ضررها الكبير على الهواء والماء والتربة وعلى الإنتاج الزراعي والحيواني، ولكننا رغم ذلك نشهد الانتشار الواسع والمتتابع لاستخدام الأواني والعبوات البلاستيكية في كل بيت ولدى كل فرد وفي كل منشأة، والتصنيع والترخيص لصناعات بلاستيكية جديدة مستمر وبكثافة، حتى يبدو كأنه لا مجال للاستغناء عن البلاستيك الذي لم يكن له وجود قبل عقود، وبعض صناعات الأواني الزجاجية والفخارية تعاني من ضمور كبير يقارب الانقراض، بدلاً من وجوب ازدهارها من جديد وبكثافة.
السؤال الذي لابد منه… لماذا لا نجد جهات علمية بحثية اقتصادية مهتمة فعلاً بالتحضير والإعداد للخلاص من هذه المواد الضارة بإيجاد بدل منها، سواء أكان استخداماً أم استهلاكاً؟ وفي حال احتمال نجاح هذه الجهات في جهودها، فهل ستتدارس مصير العاملين في تصنيع وتجارة وخدمات المشروبات الغازية، ما لم يكن قد تم توفير منشآت بديلة لهم، وكذلك مصير مزارعي التبغ ومصنّعيه، والمتاجرين به والمستفيدين من كل الخدمات المرافقة والناجمة عن ذلك في حال تم منع التدخين فعلاً، أكان ذلك عنوة أم اختياراً من المدخنين؟ وأيضاً حال تم (عنوة أو تقيّداً) العزوف عن استخدام الأواني والعبوات البلاستيكية ووقف تصنيعها، وإعادة تنشيط تصنيع الأواني الزجاجية والفخارية المعهود استخدامها قبل عقود من السنين، حبذا أن تعمل دوائر البحوث العلمية المحلية والعالمية بهذا الاتجاه..؟.
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
هذا المقال منشور في صحيفة البعث صفحة اقتصاد من العدد / 15438/ ليوم الثلاثاء 10 / 11 / 2015