بحثت أم عادل عن اسم ابنها بين أسماء المفقودين، فمنذ خمس سنوات لم تره، لم تترك أي وسيلة للوصول إليه لم تفعلها، تقول وهي تنتظر دورها في البحث عن اسم ابنها في مكتب المفقودين في وزارة العدل:
أريد أن أعرف ولو شيئاً عنه، هل هو في عداد الموتى أم أنه حيٌّ يرزق، أريد أن أعرف عنه هل هو بين أيدي الإرهابيين، أم قتلوه ومثّلوا بجثته؟ في كل مشهد قتل وذبح يظهر على شاشات التلفزة أمسك قلبي بين يديّ وأتساءل: هل سأرى ابني بين الضحايا؟ ابني مدنيّ خرج من البيت ولم يعد، ما زلت أواصل البحث عنه، منذ يومين كان عيد ميلاده الثلاثين.
تُدمي القلوب
قصصٌ تروى من دون مقدمات دراميّة، قصصٌ أقرب إلى الخيال، كيف أن أحدنا قد يخرج من منزله ولا يعود، أم رواد التي دفعت سبعمئة ألف ليرة حتى تعلم مصير أخيها المفقود منذ سنتين في منطقة دوما، حين سألناها عن سبب وجودها في مكتب المفقودين قالت: هو الوسيلة الوحيدة التي لم أطرق بابها حتى الآن، فلم أدع جهة إلا سألتها ووضعت اسم أخي ورقمي للتواصل معي في حال عرفوا شيئاً عنه، لكن كل محاولاتي للوصول إلى خبر عنه باءت بالفشل، أريد معرفة إذا كان محكوماً أو متورطاً، فقد ذابت عينا أمي من البكاء والانتظار.
بكل الأحوال سننتظر
بين الفقيد والمفقود والمخطوف والمحكوم وغيرها من الصفات التي تتردد على ألسنة الأهالي القادمين من كل منطقة لرؤية بصيص أمل، بقي حال أبو محمد الذي ينتظر دوره لمعرفة شيء عن ابنه، كحال الكثيرين الذين يرددون على ألسنتهم جملاً تواسيهم، ففي رأيه إن كان ابنه محكوماً سينتظر مرسوماً للعفو حتى يخرج حراً طليقاً، وإن كان مخطوفاً سيدفع ما يطلب منه ليعود إليه سالماً، وإن كان ميتاً فسيقيم له مجلس عزاء، المهم أن يعلم أين هو وماذا سيقول لزوجة ابنه وطفليه التوءم اللذين لم يرياه منذ ثلاث سنوات، وتسألان عنه، فهما يكبران ولا يعرفانه إلا في صورة معلقة على الحائط.
ماذا يريدون منه فهو في السبعين من عمره، ماذا سيفعل الإرهابيون به، لا يستطيع أن يحمل جسده الهرم؟ تقول أم مروان: زوجي لم أعلم عنه شيئاً منذ أن ذهب لأخذ راتبه التقاعدي في منطقة حرستا، لم ندع «تجمعات للمصالحة» إلا حضرناها ووضعنا اسمه معهم بلا جدوى.
يضج المكتب بهم
إن كان الآلاف من أهالي المفقودين يثقون برؤية أبنائهم، فإن الكثير منهم راح ضحية السماسرة الذين يتسترون تحت مسميات كثيرة، فالبعض طلب مئات الآلاف كي يطلق سراح مخطوف، ومنهم من يدّعي أنه يستطيع التواصل مع المسلحين الذين ربما يكون المخطوف في قبضتهم، نسبة كبيرة من أهالي المخطوفين الذين سمعنا قصصهم تعرضوا للابتزاز.
في حين كان معاون وزير العدل القاضي تيسير الصمادي منهمكاً في البحث عن أسماء المفقودين في الحاسوب، حيث يتوجه الأهالي إلى مكتبه حاملين أسماء مفقوديهم، فيوم الخميس مخصص للقاء أهالي المفقودين، هذا ما جعل ممرات الوزارة في الطابق الرابع ممتلئة بالأهالي الذين قدموا من جميع المحافظات لمعرفة مصير أبنائهم.
يقول الصمادي: نستقبل نحو 400 شخص يحاولون العثور على مفقوديهم، منذ ساعات الصباح الباكر حتى انتهاء الدوام، وقد خصصنا الخط 131 كي يتصل الأهل ليعرفوا إن حصلنا على أي معلومة.
وعن كيفية البحث عن اسم المفقود ومصيره بيّن «الصمادي» أن اسم المفقود سيمر على الأجهزة الأمنية بجميع فروعها، قائلاً: نعطي الاسم الثلاثي للمفقود وتاريخ فقده والمنطقة التي فقد منها، وهل هو عسكري أم مدنيّ إلى مكتب الأمن الوطني، ومن خلاله يمكن أن يعرف مكانه وما جرمه، إن كان محكوماً، حيث لا تقل الفترة الزمنية عن شهرين حتى ترد أي معلومة عنه، وإن لم يصلنا أي رد، فهذا يعني أن المفقود إما في المناطق الساخنة أو مجهول المصير.
وأكد الصمادي أن الكثير من الأهالي يتعرضون للابتزاز وذلك لمعرفة شيء عن مصير أبنائهم، فيدفعون المبالغ الطائلة، من دون جدوى، وإن كان محكوماً في أي جرم لابد من أن تنفذ الأحكام القانونية بحقه.