قبل عقود تم إقرار واعتماد الإصلاح الزراعي رسميا وشعبيا بتوزيع الملكيات الزراعية الكبيرة على الفلاحين الذين يعملون بها، أو على المزارعين الذين ليست لديهم أية ملكية زراعية، وخاصة تلك الملكيات التي كانت تعود لكبار الملاكين وبمساحات كبيرة ، في جميع المحافظات السورية، ولم يقتصر ذلك على أملاك كبار الملاكين بل أيضاً شمل بعض أملاك الدولة التي تم توزيع قسم كبير منها للفلاحين و نجم عن هذا الإجراء تحقيق منفعة شخصية لكثير من الفلاحين والمزارعين الذي صبوا اهتمامهم على استثمار العقارات الزراعية التي آلت إليهم، إذ كانت حيازتهم الزراعية هي مصدر عيشهم شبه الوحيد، وقد انعكس ذلك زيادة في الاستثمار والإنتاج و الدخل.
هذا التوزيع الذي حصل قبل عقود مكَّن الفلاحين من الاستفادة منه نظرا لأن العقارات التي أصبحت بعهدتهم حينئذ كانت صالحة للزراعة وذات مساحة مقبولة، يكفي استثمارها لعيش أسرة الفلاح ، الذي صب جهوده فيها، خاصة وانه لم يكن لدى الفلاحين عملا آخر يصرفهم عن حسن استثمارها، إلا أن واقع الحال اللاحق أصبح غير ذلك، فمعظم الحيازات الزراعية التي كانت في الستينات والسبعينات من القرن الماضي ذات مساحة مقبولة ( أكانت ناتجة عن ملكية الأسرة لها بالإرث أو ناتجة عن ما تم توزيعه في الإصلاح الزراعي ) أصبحت الآن حيازات عديدة وبمساحات اصغر، نظرا لتوزع الحيازة على الأبناء الورثة، ما جعل الحيازة غير كافية لأن تكون مصدر عيش كاف لكثير من مالكيها، ما سبب انصراف الكثير منهم باتجاه البحث عن ميادين عمل أخرى، وخفف من اهتمام الكثير من الحائزين بحيازاتهم نظرا لسهولة تحقيق كسب أكبر وبجهد اقل ووقت أقصر من مصادر عمل أخرى غير زراعية، ما أدى لهجر الكثير من الحيازات، وانخفاضا في حجم ومساحة الاستثمار وكمية الإنتاج والدخل، وأضحت العديد من الحيازات تحتاج لتخديم ولإعادة استصلاح وتجديد التربة.
هذه الحيازات الصغيرة المساحة ستصغر مساحتها أكثر بالتتالي نتيجة تقاسم الحيازات بالإرث، ويترسَّخ ذلك واقعا عقاريا نتيجة الأعمال المساحية التي تمت وستتم في كثير من المناطق التي هي قيد التنفيذ أو مدرجة في الخطة، إذ يتجاهل المساحون بشكل شبه كلي التحسين العقاري الذي هو مهمة أساس من مهامهم، حيث يمسحون العقار مهما كان صغيرا ولو بالأمتار المربعة، ومهما كان شكل محيطه، أي يتجاهلون تحسين واقع العقار شكلا ومساحة، ما سيؤدي لأن تبقى هذه الحيازات الصغيرة تشكل عائقا في تحقيق الاستثمار الأمثل لها، خاصة وان لدى معظم أصحابها مصادر أخرى تدر عليهم دخلا اكبر بأقل جهد وأقل وقت، ما يجعلهم يهملون حيازاتهم، والطامة الكبرى تتركز حول الحيازات التي لايقيم أصحابها بالقرب منها.
المصلحة الوطنية تقتضي تحقق استثمار امثل للأرض الصالحة للزراعة، والذي تكون الحيازات الكبيرة ميدان أساس له ، ومن المؤكد انه من الصعوبة العودة إلى الوراء وإعادة تجميع الملكيات الصغيرة في ملكيات أكبر، ولكن من السهولة بل من المقتضى وقف توزيع ما تبقى من ملكيات كبيرة لدى الدولة ، واعتماد الدولة استثمار عقاراتها الزراعية لصالحها، على أن يتولى ذلك أيادي نزيهة وأمينة في مواقع الإدارات والإنتاج ،وان يتم العمل عبر التكاتف الرسمي والشعبي على إيجاد صيغ تكفل تحقق الاستصلاح والاستثمار الجماعي للحيازات الفردية الصغيرة حيث أمكن ذلك على أن يكون لكل حائز حصة في ضوء مساحة حيازته ونوع وعدد ومواصفات الأشجار الموجودة فيها.
عبد اللطيف عباس شعبان / عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
هذا المقال منشور في ص/ 3 / من صحيفة البعث العد / 15473 / ليوم الخميس 31 / 12 / 2015