كثيرة هي المبالغ المالية الكبيرة التي تنفقها معظم الأسر السورية على المشروبات العادية، كالمتة والشاي والقهوة، وعلى المشروبات الغازية كالكولا وما شابهها رغم التحذير من أضرارها الصحية، وعلى المشروبات الروحية بأنواعها رغم مثالبها الكبيرة، وعلى المشروبات الغذائية الصناعية، ما يكون منها جاهزاً أو ما يتم تحضيره كشراب بارد أو ساخن، وأيضاً على العديد من أنواع المشروبات الطبيعية المجففة أو السائلة، فضلاً عن الإنفاق الكبير الذي يتم على سجائر التبغ المتنوعة رغم غلائها، وعلى تدخين الأركيلة التي تنتشر بشكل مذهل، رغم غلاء معداتها ومستلزماتها…الخ.
اللافت للانتباه أن السنوات الأخيرة شهدت ظهور محلات تجارية متخصصة في بيع السجاير، ومحلات تجارية متخصصة في بيع أنواع الأراكيل ومعداتها ومستلزماتها، رغم قرارات منع التدخين التي صدرت خلال السنوات الأخيرة، ورغم النصائح الطبية التي تحذِّر من مخاطر التدخين بأنواعه…!.
من يتبصّر مليّاً في عبوات وأغلفة معظم المشروبات المشار إليها أعلاه، يجد أن معظمها مستورد من الخارج، ويندر أن تحظى مستورداتها بأية صعوبات، فالسوق التجارية تعجّ بأنواع عديدة منها، ومن المؤكد أن معظم المبالغ اللازمة لاستيرادها تتم بالعملة الصعبة المسحوبة أصولاً من المصارف الرسمية، ولا يخفى ما يترتب على ذلك من تأثير في سعر الصرف، ولكن المستهلك والمنتج السوريين عانيا معاً الكثير من المعوقات والصعوبات في استيراد الكثير من المواد المهمة جداً، أكان ذلك لغاية الاستهلاك –بما في ذلك بعض الأدوية الحساسة جداً وأغذية الأطفال– أو كان لغاية بعض مدخلات ومعدات الإنتاج الضرورية، بما في ذلك قطع الغيار، أليس من مصلحة الاقتصاد الأسري والوطني الحدّ من استيراد ما هو غير ضروري، والتركيز على استيراد الضروري، وخاصة أن من المجمع عليه أنه ما من حاجة ماسة ولا منفعة مهمة أو ملحّة لمعظم هذه المشروبات، بل يكاد يكون استهلاك الكثيرين لها قد أصبح بحكم العادة، ومن قبيل الترف الذي هو أقرب إلى البذخ والهدر، أكان استهلاكها مباشرة من الأسرة، أم من خلال ما تقدّمه كضيافات بمناسبة أو من غير مناسبة، إذ ما من أسرة سورية إلا وتنفق مبلغاً مالياً كل شهر –ضمن منزلها- على هذه المشروبات يشكل نسبة ملحوظة من مجمل الإنفاق الشهري، وغالباً ما تزيد على النسبة المخصصة لمواد أكثر أهمية ونفعية بكثير، فضلاً عن الإنفاق الكبير الذي ينفقه بعض أفرادها في المقاهي والمطاعم والفنادق والرحلات البرية والبحرية والجوية وداخل المنشآت العامة والخاصة.
في ضوء ما سبق أليس من الجائز التساؤل لماذا لم تعمل الجهات الرسمية والمنظمات الأهلية على اتخاذ جملة إجراءات تشريعية وشنّ حملات توجيهية لترشيد استهلاك هذه المشروبات، والتوجيه بالحدّ من استيراد الكثير منها -وخاصة في هذه الظروف التي تشهد شكوى الكثيرين من ضعف الدخل وغلاء الأسعار- والحضّ باتجاه اللجوء لاستخدام الأعشاب والمنتجات الزراعية المحلية، التي بعضها موجود بوفرة في كثير من المناطق، ومثبت أن للكثير منها دوراً غذائياً وصحياً كبيراً، أكان وقائياً من بعض الأمراض أم علاجياً مضموناً لبعضها، ما يتطلب أن ينشط مستوردو المشروبات القادمة من وراء الحدود لتخصيص بعض أموالهم لغاية الإعداد لإنتاج بعضها أو بديل لها، وخاصة أن تنوُّع تربة الأرض في المحافظات يساعد كثيراً على ذلك.
أليس باستطاعة –ومن واجب- الوزارات المعنية (الاقتصاد والتجارة الخارجية – الصناعة – الزراعة – التجارة الداخلية وحماية المستهلك)، التنسيق والإعداد التدريجي فيما بينها لتحقيق إنتاج محلي بديل أو مماثل لبعض المشروبات المستوردة والترويج المكثف لاستهلاكها..؟ أليس على المصارف الرسمية والخاصة أن تحدّ من توفير العملة الصعبة لاستيراد هذه المشروبات، وتقديم المزيد من المغريات لتمكين إنتاج الكثير منها محلياً..؟ أليست الهيئة العامة لشؤون الأسرة معنية بالحضور التوجيهي والإرشادي في هذا الميدان، لا أن يبقى دورها منصَبَّاً باتجاه الحدّ من الإنجاب..؟ أيضاً أليس على المجتمع الأهلي بجميع أنواع جمعياته ألا يحصر معظم جهده في ميدان المعونات الاستهلاكية أو الأنشطة الأخرى ذات الطابع غير الإنتاجي، وأن يثبت حضوره في الميادين الاقتصادية بما يدعم حضوره في الميادين الاجتماعية..؟.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية
هذا المقال منشور في صحيفة البعث ليوم الثلاثاء 2 / 2 / 2016 صفحة / 3 / العدد / 15495