أكدنا أكثر من مرّة أن أخطر أنواع الفساد المستشري في بعض مؤسساتنا العامة هو الفساد المدعوم من قبل متنفذين كبار، وهو فساد يتمّ غالباً بقوة القانون، أي فساد مقونن لا يتمّ كشفه إلا من خلال أحد المتضررين أو بسبب خلاف بين الفاسدين!.
وتبرز المؤسسة الاستهلاكية كواجهة “ممتازة” لممارسة الفساد المدعوم، فهي من خلال مجمعاتها وصالاتها تتحوّل بفعل بعض المتنفذين الفاسدين إلى بؤرة خصبة للكسب السريع!.
وصفقة زيت الزيتون المغشوش التي كشفتها الهيئة العامة للرقابة والتفتيش مؤخراً ليست الأولى وقد لا تكون الأخيرة التي ترتكبها الإدارة العامة الاستهلاكية!.
لا يهمّ هنا أن المخبر المركزي كشف أن الزيت “غير صالح للاستهلاك البشري”، فالأهم أن يتمّ الكشف عن المرتكبين وداعميهم!.
قد يكون من كشف عن صفقة الفساد المدعوم تاجر زيت منافس، أو أحد مسؤولي المؤسسة المستبعد من قضم “لقمة” من كعكة الفساد، بل قد يكون “فاعل خير” وهم كثر، ولكن نادراً ما يستمع أحد إلى أقوالهم لأن الفساد المدعوم محميّ بمتنفذ أو أكثر!، هل نبالغ فيما نقول؟!.
لقد سبق وكانت الاستهلاكية مسرحاً لصفقة فساد مقونن مدعوم من مسؤول حكومي كبير بعد صدور قانون الاستثمار رقم 10 لعام1991؟!.
وصلتنا حينها رسالة من “فاعل خير” يقول فيها إن مستودعات المؤسسة ملأى بزيت نباتي غير قابل للتسويق!، استقصينا الأمر فتبيّن لنا أن مصدر الزيت مستجر من مستثمر بقرار من المسؤول الحكومي الكبير ومدفوع الثمن كاملاً!!.
أكثر من ذلك تبيّن لنا أن ثمن الزيت يزيد عن كلفة إقامة معمل المستثمر، وقد اشترت إدارة الاستهلاكية كامل إنتاجه بتوجيه من المسؤول الحكومي الكبير!، واكتشفنا أيضاً أن هذا المسؤول وجّه بتوريد المادة الأولية للمعمل بثمن بخس الذي لم يفعل صاحبه سوى عصرها وتوريدها إلى الاستهلاكية ليسترد قيمة المعمل خلال أقل من عام، في حين تعرّضت الاستهلاكية أي المال العام إلى خسائر فادحة!!.
لم يُحاسب المسؤول الحكومي حينها على صفقة الزيوت المغطاة بقوة القانون، لكن بعد عدة سنوات فاحت روائح فساده المتعددة الأشكال إلى أن تفجرت فضيحة كبيرة أدخلته السجن لعدة سنوات!.
وهاهي صفقة زيوت جديدة تفوح رائحتها في مستودعات الاستهلاكية.. فهل سيُكشف عن أبطالها سريعاً أم سننتظر عدة سنوات لإحالة مرتكبيها إلى السجون؟.
علي عبود-البعث