لسنوات خلت تطرح الجهات الرسمية ( وبمغريات ) الكثير من مواقع الاستثمار السياحي أمام المستثمرين، عدا المشاريع التي أعدها المستثمرون بأنفسهم، وكثيرون منهم سحبوا قروضا كبيرة من المصارف العامة والخاصة وتخلفوا أو امتنعوا عن تسديدها، ولكن من النادر أن نسمع عن مواقع مطروحة للاستثمار في الإنتاج الحيواني، ومعظم من يستثمرون في هذا القطاع هم من صغار المستثمرين المحليين ويعانون الكثير من الصعوبات، أكان في تسوُّق مستلزمات الإنتاج أم تسويق المنتجات، ما أدى لضعف نمو أعداد الثروة الحيوانية نتيجة المزيد من التصدير، بالتوازي مع التهريب لهذه الثروة، والمزيد من الذبح بالتوازي مع المزيد من استيراد اللحوم، دون أن يترافق ذلك إلا مع القليل القليل من استيراد الحيوانات الحية التي اقتصرت على مئات من الأبقار بين حين وآخر، ما أدى إلى خروج الكثير من المربين من ميدان الإنتاج وانخفاض أعداد الثروة الحيوانية، وضعف الإنتاج وارتفاع كبير في أسعار المنتجات الحيوانية.
لقد ترافق ذلك مع ارتفاع متتابع لأسعار العلف وأسعار الحيوانات، ما دفع الكثيرين إلى الوقوع في فخ بيع لبعض أو كل ما لديهم من حيوانات، وعندما وجدودا من مصلحتهم إعادة التربية مجددا، تبين انه لم يعد بمقدور الكثيرين منهم الشراء، لأن ذلك يتطلب مئات الآلاف، وأيضا لم يعد بمقدوره تامين حظيرة لأن البناء يكلف أيضا الملايين، وما نسمعه في هذه الأيام عن استيراد الأبقار المحسنة بسعر/ 700 / ألف ليرة سورية للبقرة الواحدة، من خلال تسجيل مسبق – بدفعة أولى / 100 / ألف ليرة سورية – ربما لا يلقى إقبالا ، لأن من يملك هذا المبلغ يتجه لعمل آخر، ومن لا يملكون ليس بمقدورهم تأمين حظيرة مناسبة كالحظيرة التي قدمت منها البقرة المستوردة ، ما قد يجعلها عرضة للمرض وضعف الإنتاج أو الموت، و يوقع المربي في كارثة كبيرة
إن تنمية الثروة الحيوانية حاجة وطنية كبرى، لا تقل أهمية عن تنمية القطاعات الأخرى، ولن تتحقق هذه التنمية عبر التربية المنزلية فقط ، نتيجة عزوف العديد من المربين المعتادين وضعف إقبال الآخرين على ذلك، فضلا عن أن تعليمات الإدارة المحلية ووزارة الصحة ووزارة البيئة تقف حائلا ضد هذه التربية، ما يتطلب المزيد من الإجراءات الأخرى الموازية وأذكر منها:
ضرورة قيام وزارة الإدارة المحلية بإصدار تشريع يقضي بتخصيص منطقة تربية حيوانية ( دواجن – أبقار – أغنام – … ) ضمن قطاع كل بلدية، على غرار تخصيص المناطق السكنية ( سكن حديث – سكن قديم – سكن تجاري …) – منطقة صناعية – منطقة سياحية – نظرا للقيود التي تفرضها الصحة والبيئة والبلدية على التربية الحيوانية المنزلية.
كما أن على وزارة الزراعة الحد من خسائر مزارع الثروة الحيوانية العائدة للدولة، واستنهاض دور المزارع المتبقية، وإعادة تشغيل المتوقف منها، والإعداد لإحداث المزيد، ولتكن مزرعة تربية حيوانية ضمن قطاع كل وحدة إرشادية، ولا يمنع أن يتم بعض ذلك بالتعاون مع القطاع الخاص عبر قانون التشاركية الجديد، لا أن تقتصر التشاركية مع القطاع الخاص على السياحة والصناعة، إضافة إلى تشجيع تربية قطعان الرعي من غنم وماعز وجمال ….وقيام مسؤولي التربية الحيوانية في وزارة الزراعة بتتبع هذه القطعان بالخدمة المتنقلة معها على غرار تتبع وزارة التربية ( المدارس المتنقلة لتعليم البدو الرحل )، وتشجيع وإغراء المستثمرين الكبار بإنشاء قرى تربية حيوانية، بحيث يكون الطابق الأرضي حظيرة حيوانية والطابق العلوي سكن للأسرة المربية، وتنظيم إشراف صحي على الإنسان والحيوان معا، على أن يقترن ذلك مع إقامة منشآت لتصنيع منتجات الثروة الحيوانية، ضمانا لتصريف الإنتاج بريعية مناسبة، إلى جانب تشجيع الحائزين الزراعيين على التربية الحيوانية للاستفادة من الأعشاب الطبيعية الخضراء واليابسة الناتجة عن الزراعة بدلا من إتلافها بالمبيد وهي خضراء أو حرقها بعد يبسها، وخاصة وان الإنتاج الزراعي العضوي المطلوب عالميا يتطلب سمادا حيوانيا، ولعقود مضت لم يكن السماد الكيماوي معهودا وكانت التربية الحيوانية الكثيفة تكفي لتسميد الأرض الزراعية، فحاجات الإنسان والحيوان والنبات متكاملة فيما بينها.
/ عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
هذا المقال منشور في ص / 3 / من صحيفة البعث العدد/ 15508 / ليوم الجمعة 19 / 2 / 2016 /