انطلاقاً من مقولة القائد المؤسس حافظ الأسد “النقد هو البناء”… “ولا أريد لأحد أن يسكت عن الخطأ أو يتستر على العيوب والنواقص”، لا حرج أن نعترف أن معظم ما تم استعراضه في ميادين الإصلاح الإداري والاقتصادي خلال السنوات الماضية، تم إهماله أو ما زال موضوعاً على الرف في أضابير غير مؤرشفة، وكثير مما تم تداوله في مجالات مكافحة الفساد، لم يُعملْ به، أو ما زال حبيس الأدراج، وأن مسيرة التنمية الإدارية المنشودة اصطدمت بكثير من العوائق المعهودة، ما جعلها تغرق في “السبات الإداري”، ولكن ما حدث من تعثر ونكوص في الأداء، وضعف وتردّد في الرؤى، لم يؤدِّ إلى أي تراجع عن النهج الوطني العام الهادف لما فيه خير البلاد والعباد، إذ ما زالت النيات الحكومية قائمة بهذا الشأن، وما زالت هذه النيات محط آمال الجماهير، وما زلنا محكومين بالأمل.
إن استمرارية العديد من الوزراء السابقين في أية تشكيلة وزارية بما فيها الوزارة الأخيرة، مدعاة للتفاؤل بأن الذي استمر من الوزراء القدامى هو محط ثقة، ويشهد لهم ماضيهم بحسن الأداء، ويوحي بأن الفرصة ما زالت متاحة أمامهم مجدّداً لإنجاز ما لم ينجزوه من قبل، وأن على الجديد أن يكون متفهّماً لمهام وزارته ومستعدّاً لتحقيق هذه المهام، ومدعاة للسرور استمرارية الدكتور حسان النوري وزيراً للتنمية الإدارية للمرة الثالثة -رغم تعثر أداء وزارته لدورتين سابقتين- ما يؤكد ثبات خيار السلطات الرسمية له وقناعتها بأهمية وزارة التنمية الإدارية وأولوية تسليمها لمن خبرها أكاديمياً وعملياً، وخاصة أن إنجاز الأعمال المنوطة بهذه الوزارة، سيشكل المدخل الأساس لتحقيق الإصلاح ومكافحة الفساد، والأكثر مدعاة للسرور هو قبول النوري باستمراره –رغم ما كان يشكو منه من منغّصات تعيق عمله– ما يؤكد عزمه على تخطي ما اعترضه من صعوبات، وإصراره على تحقيق التنمية المنشودة بعيداً عن أي تراجع عن هدف أو ركون لمثبّطات.
فالسيد النوري على الحلبة من جديد مشمّراً عن ساعديه ومتبصراً بعينيه، ومتمكّناً من أصغريه، عازماً أن ينطق لسانه بما يكنّه قلبه، مصمّماً على إطلاق التنمية الإدارية، ولا شك أنه يدرك أنه لا مناص له هذه المرة من النجاح في المبارزة مع من لا يريدون التنمية، وعليه أن يهزم الآن من لم يستطيعوا ثنيه عن عزمه في دورتين سابقتين، وحبذا ألا يغيب عن باله أن مَن لا يريدون التنمية الإدارية يتهالكون، ومن سبق لهم أن قالوا إن عهد الدولة الأبوية قد ولّى هم الذين ولَّوا، وأن معظم من قالوا إن نهج الاقتصاد الحر هو المنقذ للبلاد، غدروا بالوطن وانساقوا وراء مَن لا يريدون الحرية للبلاد والعباد، وتأكّد من جديد أن التعددية الاقتصادية هي النهج الاقتصادي السليم، وأن الدولة الأبوية مطلب وطن ومواطن، إذ من حق من أثبتوا أنهم أبناء الوطن (الدولة) وحماة دياره أن يتلمّسوا أن الوطن (الدولة) أبوهم وأمّهم، ما يوجب أن تنطلق التنمية الإدارية باتجاه تنمية حق وواجب المواطن، وحق وواجب الدولة، فلا وطن دون مواطنين ولا مواطن دون وطن.
لست ملمّاً بكامل حيثيات المعوقات التي اعترضت عمل وزارة التنمية في الدورتين السابقتين، ولكن ليسوا قلة أولئك الذين تتملّكهم القناعة بأن ضعف أداء الوزارة، لا يعود إلى قصور الرؤيا عند الوزير وفريق عمله، بل يعود إلى من تعمّدوا وضع العصيّ في عجلات قطار التنمية الإدارية، ما يتطلب من الوزير وفريق عمله، المزيد من المهارة الإدارية التي تسقط دور هؤلاء، وليكن ذلك بدءاً من اعتماد أسس ومنطلقات عامة للتنمية الإدارية ملزمة لجميع الجهات العامة، وتصلح أن تكون أساساً لتمكين كل جهة من استنباط أسس ومنطلقات تنمية إدارية خاصة بها، تبعاً لمعطيات ومتطلبات عملها، على أن يكون دور الوزارة منصبّاً باتجاه متابعة تنفيذ الجهات الرسمية لجميع الأسس العامة وموجّهة لاعتماد ومراقبة تنفيذ الأسس الخاصة لكل جهة، بغية ضمان أفضل أداء إداري ضمن كل جهة، وبما يضمن تكامل الأداء الإداري لجميع الجهات، ولتبدأ وزارة التنمية بتحقيق ذلك ضمن إداراتها، إذ هي الأولَى بتحقيق التنمية الإدارية فيها، بعيداً عن ظهور أية حالة من حالات الخلل الإداري أو الاقتصادي أو الهدر أو الفساد، ما سيجعلها القدوة لباقي الإدارات.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
هذا المقال منشور في صحيفة البعث صفحة اقتصاد ليوم الاثنين 18 / 7 / 2016 العدد 15608