بانوراما طرطوس- عبد العزيز محسن:
لا ندري إلى أي مدى سيصل وزير التجارة الداخلية في فتح الملفات الحساسة في وزارته ومن بينها ملف المؤسسة العامة الاستهلاكية وكشف حالات الفساد المستشري بين طيات عقودها وخصوصاً في موضوع استثمار صالاتها وابنيتها في مختلف المحافظات.. فهذا الملف “المتشعب” تم فتح أولى حلقاته مؤخراً عبر قرارات “جريئة” للوزير المغربي بفسخ عقود استثمار لأبنية وصالات ومنشآت المؤسسة وعلى فترات ومدد زمنية مختلفة والتي اعتبرها عقود مجحفة جداً ولا ترتقي إلى أي منطق أو أي حجة..
فمن يطلع على أرقام الإيرادات التي تحصل عليها الدولة جراء استثمار هذه المنشآت سيصاب حتماً بالذهول والاستغراب وبالتأكيد سيبرر للوزير قراراته التي وصفها البعض بالمتسرعة وغير العادلة!.. ولكن بالمقابل هل يعقل أن يكون مجموع ايرادات استثمار حوالي 55 من أبنية وصالات المؤسسة لا يتجاوز 42 مليون ليرة فقط! في حين إنه من الممكن ان تصل قيمة الاستثمار الفعلية حسب حالة السوق الحالية إلى أكثر من 600 مليون ليرة -بحسب تصريحات للسيد الوزير- ناهيك عن عدم وجود عقود تأجير للكثير من المنشآت ويتم استثمارها من قبل تجار معروفين ، الأمر الذي يترك علامات استفهام كبيرة حول ما حدث ويحدث في هذا القطاع الأساسي الذي يحظى بدعم سخي من الدولة تحت عناوين ومبررات التدخل الإيجابي في الأسواق ومساعدة المواطن من ذوي الدخل المحدود في تأمين متطلباته المعيشية بأسعار معتدلة ولو على حساب الدولة..
بالتأكيد لا يمكن الحكم بشكل ارتجالي ومتسرع على جميع العقود المبرمة والحالات المشار إليها، وكلنا يعلم أن الظروف والمراحل التي مرت بها البلاد كانت تتطلب في كثير من الاحيان الاستعانة بالقطاع الخاص لإدارة واستثمار بعض المنشآت والقطاعات التي اصابها الهرم المبكر نتيجة الإهمال وتفشي حالات الفساد والترهل الإداري وعدم مدها بالدعم اللازم لاستمرارية عملها وخصوصاً في الفترة ما بين 206-2010 ، حيث أهملت الدولة هذه القطاعات حينما كان البلد يمر بمرحلة تحول اقتصادي ويشهد نمو واضح في جميع المجالات، فكانت اسعار السلع والمنتجات متقاربة مع افضلية واضحة للقطاع الخاص بفضل مرونته وسرعة تجاوبه مع حركة الاسواق والعرض والطلب، وكما هو معروف فأن “الدولة هي تاجر فاشل” مهما كانت الظروف وهذا بطبيعة الحال ليس عملها الأساسي ولكنها قد تلجأ إليه لتحقيق توازن سعري معين لبعض السلع الأساسية وبناء توازن عام في الأسواق ضمن سياق المنظومة أو السياسة الاقتصادية العامة المتبعة.. وفعلاً نجحت بذلك في الكثير من الأحيان خلال العقود الأخيرة.. ولكن كل ذلك لا يبرر اليوم استمرار التنازل عن حقوق الدولة وهدر المال العام بحجة أن هذه الصالات كانت شبه فارغة من السلع ولا تقوم بعملها الأساسي..







