جميع الإدارات العامة تشهد المزيد من أبواب الإنفاق المالي المتعدّد الأوجه، وقليلة جداً هي تلك الإدارات التي تُعلن ميزانياتها العامة المقررة بدءاً، والمنفذة ختاماً، بشكل إجمالي بين أيدي عامليها، ولكن يندُر أن تُعرض أية معلومات تفصيلية عن هذا الإنفاق، الذي لا يخلو بعضه من شكوك في أحقيته ومصداقيته، ما يجعل ذلك محطّ شكوى العديد من العاملين في هذه الإدارات والمتعاملين معها، كونها تشكل أشكالاً شتى من الخلل المطلوب إصلاحه والفساد المتوجب معالجته، ما يدفع المعنيّ والمهتم للتمعن ببعض حيثياته، لأن يطرح أكثر من سؤال؟!.
في أغلب ميزانيات الإدارات العامة يوجد بند لنفقات الانتقال وبند للصيانة وبند للمكافآت، وبند للعمل الإضافي… الخ، وقد يكون لدى بعضها بند للإنشاءات وبند للتجهيزات والمعدات والآليات وغيرها، ولكن الذي يحدث أن بعض الإدارات تخصّص النصيب الأكبر من نفقات الانتقال لبعض العاملين دون غيرهم، ومثل ذلك فيما يخصّ بند المكافآت والعمل الإضافي، وربما لم يحدث انتقال فعلي أو جهد متميّز لأحدهم، أو حدث (شكلاً) دون حاجة فعلية لعمل ضروري يقابله، وقد يتمّ -في العديد من الإدارات– صرف مبالغ مالية مشكوك فيها، لقاء نفقات خدمات الصيانة أو خدمات أخرى بفواتير وهمية، أو بما يزيد عن الخدمة المتحققة فعلياً، أكان ذلك لصالح الآليات أو المعدات أو الإنشاءات أو التجهيزات، وكثير من ذلك قد يتمّ على يد بعض المسؤولين الماليين أو الإداريين، أو لجان العقود أو لجان المشتريات لغاية تحقيق كسب غير مشروع!!.
من المؤكد أنه بالإمكان تخفيف بعض هذا الإنفاق غير المشروع في حال اعتماد العلنية فيه، عبر قيام كل إدارة بنشر تقارير دورية ربعية، عن هذه الصرفيات بصورة تفصيلية وعلنية عبر لوحات الإعلانات المتوجب وجودها في بهو كل إدارة، بحيث يكون بمقدور العاملين الاطلاع على الذين نالوا النصيب الأكبر من نفقات الانتقال والعمل الإضافي والمكافآت، ومدى شرعية حصولهم على ذلك، في ضوء مقتضيات العمل والاستحقاق الفعلي، والتعرف ملياً على تفصيلات كافة الصرفيات، وحيثيات العقود التي تمّ إجراؤها والمشتريات والخدمات التي تأمّنت عبر لجان الشراء، ما يمكّن العاملين والمتعاملين المغبونين من الاحتجاج الشفهي والخطيّ عند اللزوم، ولما فيه مصلحة الإدارة ومصلحتهم الشخصية، وبما يجذّر الثقة بالإدارات.
أيضاً لدى بعض الإدارات دخل متعدّد المطارح، من إنتاج تبيعه أو لقاء خدمات تقدمها للغير، وقد لا يخلو بعضه من شكوك في كميته وشرعيته، ما يستوجب على كل إدارة -حال كان لديها مصادر دخل- عرض ذلك مفصلاً وبشكل دوري كل ثلاثة أشهر، كي يتضح للعاملين والمتعاملين أن المعلن يقارب الحقيقة أو يجافيها، وسيترتّب على ذلك انهماك الإدارات بالحذر الشديد، واعتماد المزيد من التروي والتدقيق في إنفاقها ودخلها، وليس من حق أية إدارة التهرّب من هذه العلنية تحت أية حجة كانت، حال كانت واثقة من أحقية ومصداقية عقودها وصرفياتها ومداخيلها.
على الأغلب سينبري العديد من قياديي الإدارات –وتحديداً الفاسدين منهم- للامتعاض من هذا الطرح والاحتجاج على ضعف شرعيته وضعف جدواه والتهويل من عبئه وتكاليفه الورقية، ما يستوجب أن يعي أولو الأمر الأشراف المطالبين والمعنيين بضرورة تحقيق الإصلاح ومكافحة الفساد، فحوى احتجاجات ممارسي الفساد، وأهمية اعتماد كل الإجراءات التي لا تلقى رضاهم وقبولهم، وفي هذه الحال من المتوجب أن يكون للرقابات الداخلية في كل إدارة دور كبير في مطالبة إداراتها بممارسة هذه العلنية، وأن يكون عناصرها متبصرين بمضامين كل ما يتمّ نشره، والمطالبة بنشر ما قد لا يُنشر، وأن تمارس هذه الرقابات حقها في الاحتجاج على كل حالة خلل وفساد تراها، وأن تحضّ العاملين على الاحتجاج الموثق، وتستقبل احتجاجاتهم وتحقّق فيها بكل جدية وموضوعية.
إن إقرار واعتماد العلنية التفصيلية في الإنفاق والدخل لدى جميع الإدارات الرسمية، وأيضاً في القطاع الخاص المنظم، يخفّف الكثير من حالات الخلل والفساد المشكو منها، وأي تهرب من هذه العلنية يولد المزيد من الشكوك في شرعية ومصداقية العمل لدى الإدارة المتمنّعة.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
هذا المقال منشور في صفحة اقتصاد من صحيفة البعث العدد / 15717
ليوم الأحد 18 / 12 / 2016