عقود مضت ونحن نشهد المزيد من تنادي وتلاقي الكثير من الرؤى الرسمية المعنية والأكاديمية والإعلامية والشعبية المهتمة، لتحقيق التنمية في مجالات متعددة، كالتنمية الإدارية والتنمية الصناعية والتنمية الزراعية وتنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة، وتنمية المشروعات المتناهية الصغر، وتنمية الصادرات و … و لا جدال في أن كل ذلك يصب في خدمة المصلحة العامة التي تنعكس خيرا على الوطن والمواطن، ولما كان من المؤكد أن التنمية مطلوبة جدا في كافة الميادين، كان أحوج ما نكون إليه التنادي والعمل على تحقيق تنمية ذات أهمية كبرى، تشكل مدخلا يؤسس لتحقيق جميع التنميات الأخرى المرغوبة، والمقصود هو تنمية الثقافة الاقتصادية الفردية والمجتمعية، باتجاه الحض على المزيد من ترشيد الاستهلاك الأسري، باتجاه الحد من استهلاك السلع الكمالية، والسلع المستوردة والسلع ذات الأسعار المرتفعة، وأيضا تحفيز الإنتاج الأسري – وخاصة السلع التي تحتاج إليها الأسرة ذات الطابع الزراعي أو الحرفي – في جميع الأوساط السكانية ضمن كل أسرة، وفي كل حي وكل قرية وكل مزرعة، عبر حملة إعلامية متتابعة من خلال الدوريات الإعلامية المطبوعة والمسموعة والمرئية، ومن خلال ندوات المراكز الثقافية وما شابهها، وتنفيذ المزيد من ذلك عبر تشاركية متفق عليها – برمجة وتنفيذا – بين الجهات الرسمية والمنظمات والنقابات والمجتمع الأهلي، في عقد وتنظيم المزيد من الملتقيات والأنشطة الشعبية، بهدف تحقيق الموازنة بين الإنتاج والاستهلاك، وبما يضمن ترجيح كفة الإنتاج، وأيضا نشر ثقافة المزيد من ترشيد الاستهلاك المؤسساتي، والمزيد من الجهد لزيادة الإنتاج المؤسساتي كما ونوعا، في جميع الأوساط العملية الإدارية والخدمية والإنتاجية، ضمن كل مركز وفرع كل إدارة ومؤسسة وشركة، من خلال اعتماد تنفيذ ندوات برامج ثقافية دورية وعرضية، وتوزيع ملصقات جدارية ونشرات ثقافية، توجه باتجاه استثمار ساعات العمل والموارد المتاحة خير استخدام والحد من الهدر، لضمان إنتاج أفضل خدمة وسلعة بأقل كلفة إنتاج، ويضاف إلى ذلك أيضا، إدخال هذه الثقافة ضمن جميع المناهج الدراسية في جميع المراحل التعليمية، وتنشيطها من خلال ندوات ثقافية دورية وعرضية، تقام في جميع الأوساط التعليمية، في كل مدرسة تعليم أساس وثانوي ومعهد وكلية جامعية، والعمل على تحقيق نوع من الربط بين التعليم والعمل، بحيث يتم تضمين المنهاج الدراسي في كل المراحل التعليمية، برامج عملية تضمن قيام الطالب بتحقيق إنتاج ما، يتناسب مع مرحلته الدراسية، وتوجيهه بآن يكون مستعدا لإيجاد فرصة عمل بنفسه عقب خروجه من التعليم – تسربا أو إكمالا – واستعداده للقبول بأي عمل يتوفر له آنيا، ريثما يتوفر له الأفضل، لا أن يبقى في ذاكرته أن عمله يجب أن يكون متفقا تماما مع تخصصه الدراسي، أو كما يرغب هو، أو أن الوظيفة الحكومية تنتظره حكما وهي حق مضمون له، ويتشنج فكريا وعمليا حال عدم تحقق ذلك له.
إن العقود الأخيرة التي شهد فيها المواطن السوري الكثير من الرخاء وتوفر المزيد من السلع بكافة أنواعها، وبأسعار رخيصة جدا، وخاصة السلع التموينية المخفضة الأسعار، أسست لثقافة استهلاكية، دفعت الكثيرين باتجاه المزيد من استهلاك المواد وهدرها، وقلة الاهتمام بإنتاجها الذاتي، رغم توفر معطيات الإنتاج لدى الكثيرين، كما أن إتاحة فرصة التعليم المجاني في جميع المراحل الدراسية، أسست لثقافة تعليم لا تجاريها ثقافة العمل، وكذا سياسة التعيين الإلزامي التي اعتمِدت لكثير من الخريجين الذين درسوا في المعاهد والكليات الملتزمة، أسست لثقافة عمل لا يوازيه إنتاج يقابل الراتب المدفوع، كل ذلك يحتاج إلى نشر ثقافة اقتصادية جديدة وممارسات إدارية وميدانية جديدة – رسميا وشعبيا – تتناسب مع المستجدات الراهنة والمستقبلية .
عبد اللطيف عباس شعبان / عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
هذه المادة منشورة في صحبفة البعث ليوم الثلاثاء 17 / 1/ 2017 العد/ 15739 / ص 3