قبل أيام حضرت اجتماعا رسميا كبيرا – على مدرج مركز ثقافي – ضم عددا كبيرا من المكلفين بمهام في كافة المجالات الوطنية، وتخلل الاجتماع الكثير من الآراء المهتمة والبناءة والواعدة، التي أبداها عشرات القياديين من المئات الذين جلسوا على مقاعد المدرج، وسبقها وأعقبها الكثير من الطروحات والردود والوعود من كبار القياديين الذين جلسوا على المنبر، وقد انتاب السرور كل ذوي الاستقامة عندما أكد أحدهم – الذي يحمل مسؤولية اقتصادية كبيرة –أن السلطات المعنية تولي مكافحة الفساد أهمية كبيرة، وتعمل وتحضر لذلك، كما أشار إلى ضرورة استثمار المراكز الثقافية، بأفضل مما هي مستثمرة به حاليا، هذه المراكز التي شيدتها الدولة منذ عشرات السنين و بتكاليف وأحجام كبيرة، في جميع المناطق لا بل في جميع النواحي والكثير من الأحياء والقرى الكبيرة، ولكن الجدوى المتحققة منها أقل مما هي متوخاة.
واقع الحال يظهر أن صالات المراكز الثقافية مستثمرة جزئيا بالعديد من المناسبات الوطنية والأنشطة العائدة للجهات الرسمية والنقابية والمنظماتية والفنية والمؤتمرات والملتقيات الدورية والعرضية والاحتفالات والتكريمات، والمعارض ومناسبات الأحزاب الوطنية والجمعيات الأهلية في ضوء التنسيق المسبق والآني مع إدارة المركز، والعديد من الأنشطة الثقافية الأدبية الفكرية التي تتم في ضوء خطة مسبقة تضعها إدارة المركز قبل أول كل شهر، ولسنوات مضت كانت قاعات هذه المراكز تشهد حضور كمي ونوعي، لكثير من الأنشطة إلا أن السنوات الأخيرة شهدت نقصا ملحوظا في حضور العديد من المناسبات، وخاصة المناسبات الثقافية التي اقتصر حضور العديد منها على العشرات فقط وربما آحاد، ما جعل الكثيرون يتساءلون ما وراء هذا الحضور المتناقص تدريجيا، متغافلين عن أن سبب ذلك يعود لأن الكثير مما يدور في الأنشطة لا يلامس هموم المواطن، ولأن الكثير مما يقال في كثير من الملتقيات لا يجد مكانا للتطبيق، وتغلب عليه الصفة الخطابية أكثر بكثير مما يرنو له المواطن من المعالجة العاجلة والمرجوة.
إن الاستثمار الأمثل لهذه المراكز يتحقق من خلال استثمارها منبرا لكثير من الندوات والملتقيات التي تبحث في واقع حال أعمال الجهات الرسمية والمنظماتية والأهلية، بما يظهر المهام الموكلة لها، وخططها ومدى تنفيذ هذه الخطط، ومدى تقييم العاملين والمتعاملين مع هذه الجهات لمدى جودة وكفاءة أداءها وطرح ومعالجة كل ما يهم الشأن العام الوطني والمواطن اقتصاديا، بمصارحة حقيقية، بدءا بإبراز العطاءات الخيِّرة للمسؤولين والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية والثناء عليها، ما يدفع باتجاه تحقيق المزيد منها، بالتوازي مع التأشير الرقيق والدقيق والجريء إلى مواطن الخلل، وتسليط الأضواء على مناهضي الإصلاح، وفضح الفساد وتعرية مرتكبيه، ما يؤدي إلى كبح جنوحهم وتنمية بذور الإصلاح.
عندما تشهد صالات المراكز الثقافية عقد المزيد من هذه الملتقيات- دوريا مرة كل ثلاثة أشهر أو مرتين في العام على الأقل وعرضيا عند الاقتضاء – لكل إدارة أو منظمة أو أكثر حال كان عملهما يتقاطع معا – وبحضور جميع المفاصل الإدارية في المؤسسة، وتكون الدعوة عامة للعاملين وللمواطنين وبحضور الإعلام والجهات الرقابية والسلطات الأعلى، ويتم طرح جميع الأمور بجدية وجرأة ومصداقية وموضوعية، وأن تكون الطروحات جريئة وموضوعية، والطلبات مشروعة وممكنة، والوعود معللة وصادقة، عندئذ سيتبين للجميع المزيد من الإقبال الجماهيري على هذه المراكز الثقافية، وخاصة عندما يتطرق الملتقى الحالي لما تم طرحه في الملتقى السابق، ويتضح للحضور مواطنين ومعنيين أن الأمور جادة لا كلاما غير مسؤول، وحبذا استثمار جميع الصالات التي تعود لجهات أخرى لمزيد من هذه الملتقيات وورشات العمل البحثية والدراسية، بما في ذلك الصالات الدينية، شريطة أن يتم ذلك بالتنسيق مع السلطات المعنية.
رغم أن الكثير من الأنظمة الداخلية والتعليمات لكثير من الجهات والمنظمات تنص على عقد مثل هذه الملتقيات إلا أن بعض أصحاب القرار يتهربون أو يخافون اللقاءات المباشرة مع مرؤوسيهم ومع المواطنين، إما لعجزهم المبرر أو غير المبرر في تعليل قصورهم العائد عليهم أو على آخرين لهم علاقة بعمل مؤسستهم، أو أنهم في الأصل غير أهل لما هم مكلفين به، أو لأنهم لا يملكون الإجابة على كثير من التساؤلات التي قد توجه لهم، وإما لتغطية فسادهم الذي يدينهم.
إن استثمار صالات المراكز الثقافية وبقية الصالات لمزيد من الملتقيات الدورية، ونشر المصارحة بين المواطن والمسؤول، يفتح الباب أمام المعارضة الحقيقية البناءة، ما يشكل مدخل أساس لإبراز ما يتحقق من منجزات ويبدد المزيد من الشكوك المضللة والمخربة، و يقزم المزيد من القصور والخلل والفساد و ضياع الحقوق وهدر الاموال ، ويغلق الباب أمام المعارضة النفاقية الهدامة، وقد كانت هذه اللقاءات معهودة قديما في بيت المختار أو وجيه القرية، ومن ثم تكرست رسميا بعد قيام ثورة الثامن من آذار، ولعبت دورا كبيرا في تحقيق الكثير من الإصلاح والمنجزات، ولكن الإقلال منها لعب دورا كبيرا في انتشار المزيد من الخلل والفساد، فمكافحة الفساد تتحقق عبر المزيد من المواجهة والمجابهة، لا بالقليل من المشافهة.
عبد اللطيف عباس شعبان / عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
هذه المادة منشورة في صفحة اقتصاد من صحيفة البعث ليوم الأحد 9 / 4 / 2017 العدد / 15808