بانوراما طرطوس- عبد العزيز محسن:
عندما نستطلع آراء المواطنين حول الأولويات التي يجب على الحكومة القيام بها في الشأن المحلي العام سنجد بلا شك أن الجانب المعيشي سيحتل أول سلم الأولويات ومن بعده يأتي الجانب الخدمي ومن بعده الجانب التنموي والاقتصادي… ومن المعروف علمياً أن الجوانب الثلاثة المذكورة مترابطة فيما بينها ارتباطاً وثيقاً بعلاقة متعدية ومركبة من الصعب التفريق بينها باللغة الاقتصادية، وبناء على هذا المنطق العلمي ترسم الحكومة خططها التي تركز على السير في هذه الجوانب أو القطاعات بشكل متوازي نوعاً ما..
إلا أن الاستثناءات مطلوبة اليوم أكثر من أي وقت مضى.. والضرورات المعيشية تقتضي التركيز في المرحلة الحالية على تحسين أوضاع المواطن وتوفير البيئة المناسبة على صعيد القوة الشرائية وتحسين مستوى الدخل والأهم من كل ذلك الحفاظ على استقرار سعر الصرف وضبط الأسعار في الأسواق.. وهي أولويات تفرضها الظروف وتحكمها الاستثناءات -كما ذكرنا- ولكنها بنفس الوقت يمكن ان تشكل مدخلاً مناسباً للدخول بقوة إلى باقي الجوانب التي ذكرناها وهي الجوانب الخدمية والتنموية والاقتصادية..
وفي كثير من الأحيان كنا نسمع من الناس ردة فعل عفوية وربما محقة بأن الحكومة تركز اليوم على مشاريع لإقامة المدن الصناعية ومشاريع الطرق والسكن والخدمات الأخرى وتصرف عليها عشرات المليارات فيما تهمل الجانب المعيشي الذي يلامس هموم ومعاناة الشريحة الأكبر من المواطنين الذين لا يعرفون كيف يتدبرون أمورهم في ظل الارتفاع الكبير في الأسعار وتدني الرواتب والأجور وانخفاض مستوى الدخل المادي بشكل عام مع بعض الاستثناءات لعدد من المهن والقطاعات التي لم تتأثر ورفعت تلقائياً أجورها بما يتناسب مع الوضع الحالي..
وإزاء هذا الواقع الصعب وهذا الوجع الذي نعاني منه جميعاً يفترض من الحكومة التوجه لاتخاذ “قرارات شعبية” عبر زيادة الاهتمام بالجانب المعيشي وتحسين الأوضاع المادية بالطريقة المناسبة ومن بينها زيادة الرواتب والأجور بطريقة لا تؤثر سلباً على استقرار الأسعار، ورغم أن زيادة الرواتب لن تشمل عملياً إلا موظفي الدولة إلا أنها يمكن أن تؤدي إلى تحسن ملموس لباقي الشرائح.. ومن بين التدابير الضرورية “وربما الاستثنائية” التي يمكن أن تلجأ إليها الحكومة في هذه الظروف الإسراع في إدخال منظومة الدعم الاجتماعي قيد التطبيق والتي تترافق مع إزالة الدعم عن بعض القطاعات والمجالات وتحويل الدعم إلى دعم شخصي مباشر للأسر والأفراد الذين هم بحاجة إلى الدعم والمساندة وهذا ما يتم العمل عليه اليوم من خلال البطاقة الاجتماعية المؤتمتة والتي هي مشروع متميز من شأنه تخفيف حالات الهدر والفساد ويتيح تقديم الدعم الحكومي إلى مستحقيه فقط..
هناك الكثير من الأفكار والمشاريع التي يمكن أن تؤدي إلى تحسين الواقع المعيشي للمواطنين.. واعتقد أن الحكومة جادة في هذا المجال ولكن هناك مشكلة في الأولويات مع ملاحظة البطء في تنفيذ الخطط والبرامج المعتمدة لهذه الغاية.. وبالتالي المطلوب هو إعطاء هذا الجانب الأولوية القصوى وتسريع وتيرة العمل قدر الإمكان.. فالوضع المعيشي العام لا يزال صعباً، والمواطن وصل إلى حدود لا تحتمل فهل نشهد في القريب خطوات ملموسة على هذا الجانب..؟!.







