عبد اللطيف عباس شعبان:
محطّ اعتزاز رسمي وشعبي كبير، أن يظهر واقع الحال أن آلاف أصحاب المنشآت الاقتصادية التي تعرّضت للتوقف في جميع القطاعات /العام والخاص والمشترك والتعاوني/ بسبب الحرب الجائرة التي يشهدها بلدنا منذ سبع سنوات، منهمكون في التغلب الكلي أو الجزئي على الصعوبات التي اعترضت عملها، والعديد منها أقلع عقب أفول الإرهاب عنها ومن حولها، والكثير منها على وشك الإقلاع، وما تشهده مدينة حمص منذ أكثر من عام وما يشهده ريف دمشق وما تشهده مدينة حلب هذه الأيام خير مثال على ذلك، فالمواطن السوري مثال الثقة بالنفس والتحلي بالعزم والإصرار، فالمواطن الذي بنى في الأمس يستطيع اليوم أن يرمّم ما تهدّم، بل أن يبني الجديد الأفضل، ومن جديد، فسورية أقوى من أن ينال منها الضعفاء، ومواطنوها الشرفاء هم الأكثر عدداً وعدة.
تفيد المعلومات الأخيرة بأن شركة حديد حماة الحكومية، هي من بين المنشآت الكبرى التي تعمل لتستعيد نشاطها من جديد، في صناعة حديد البناء والحديد الصناعي، وبطاقة إنتاجية تقدّر بحوالي الألف طن يومياً، وأنها تتعاون مع شركة أبولو الهندية لدراسة تطوير معمل الدرفلة لإنتاج حديد البناء والحديد الصناعي، وبما يتوافق مع معمل الصهر الذي يتم تطويره حالياً، هذا المعمل الذي تتوفر له مادة أولية جاهزة بمتناول اليد وشبه مجانية، وكمياتها تبلغ عشرات آلاف الأطنان المؤلفة من حطام الآليات المجمّعة في كثير من المواقع المنتشرة على كامل الأرض السورية، وخاصة مخلفات آليات القطاع العام، التي بعضها من الحجم الكبير والوزن الثقيل، وتحديداً تلك التي استهلكت في تشييد عشرات السدود، والتشييدات الوطنية الكبرى، والتي يعلوها الصدأ منذ عشرات السنين، عدا الآليات والمعدات والتجهيزات المحطمة أو المنتهي عمرها، التي كانت ملك أفراد أو منشآت خاصة، والمتناثرة في كثير من المواقع، والجديد هو حطام عشرات آلاف الآليات والكثير من المعدات والآلات، والتجهيزات الصناعية التي خلفتها جرائم الإرهابيين.
هذا الحطام الذي يشغل الكثير من العقارات العامة والساحات والحقول وأرصفة الشوارع، وبالقرب من الطرقات العامة الرئيسية والفرعية، وأمام وبجوار آلاف منشآت الإصلاح والصيانة، وبالقرب من المدن الصناعية، يشكّل ظاهرة غير حضارية وغير بيئية، ما يجعل من المتوجب أن تعمل إدارة معمل الحديد في حماة على إعداد دراسات وخطط، تُظهِر أماكن وجود هذا الحطام ونوعيته وكميته، وكيفية ترحيله وأولوية هذا الترحيل من هذه المنطقة أو تلك، والإعداد لنقله إلى معمل الصهر تتابعياً عبر أقصر الطرق وأقل النفقات.
من المتوجب ألا تدفع إدارة معمل الحديد أية مبالغ مالية لأية جهة كانت، مقابل هذا الحطام، وبغية اجتناب تشبّث أية جهة ما –فرداً أو منشأة- بأحقيتها في امتلاك حطام آلياتها، بحجّة أنه قد يكون بعضه صالحاً للبيع كقطع غيار، أو قابلاً لإعادة الإصلاح والتجديد، ما يدفعها لرفض التخلي عنه دون مقابل، حبذا أن توعز وزارة الإدارة المحلية إلى بلدياتها في المحافظات لإلزام هذه الجهات، بتخزين حطام آلياتها في أملاكها إلى أمد محدود، وفي ضوء تعليمات سياحية وبيئية ملزمة، وضرورة فرض رسوم سنوية بيئية مقابل ذلك، حال تم تجاوز المدة.
في حال تنطَّح أحد الدارسين وقال بعدم اقتصادية نقل هذا الحطام وصهره، نظراً لكلفتَيْ التحميل والنقل الكبيرتين، قياساً إلى كلفة المواد الأولية المستوردة، فعلى إدارة المعمل والجهات الرسمية المعنية، رفض هذه الدراسة كلية، لعدم منطقيتها، ولأنها تتجاهل المنفعة البيئية والسياحية والزراعية المتحققة، إلى جانب عائد الصهر، وفيما إذا قال أحدهم إن هذه المخلفات ستنضب خلال أشهر قليلة، يجب ألا يغيب عن الذهن أن هذه المادة الأولية دائمة الوفرة، عقب تجميعها بين فترة وأخرى، لأن هلاك المعدات والآليات حالة مستمرة، وخاصة من هذا الفيض الكبير من المعدات والآليات والسيارات المنخفضة النوعية التي أدخلها تجار الربح السريع، ما يجعل من الضروري العمل المتواصل على تدوير هذه المخلفات، ومن المؤكد أن الجهات الرسمية والخاصة معنية بالأخذ بعين الاعتبار ضرورة تدوير -إعادة تصنيع- الكثير من المخلفات ذات الأنواع الأخرى، لما في ذلك من مردود بيئي وزراعي وسياحي وصناعي، وتشغيل لأيدي عاملة جديدة في عمل ذي مردودية اقتصادية.
عبد اللطيف عباس شعبان / عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
هذا المقال منشور في صفحة اقتصاد من صحيفة البعث العدد – 15864
ليوم الأثنين 19 / 6 / 2017