مدعاة للسرور ومحطّ تفاؤل كبير أن يتمّ اعتماد المشروع الوطني للإصلاح الإداري في هذه الظروف الوطنية المبشّرة بالانفراج بعد سبع سنوات عجاف، والبشرى الكبيرة أن السيد الرئيس بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية هو المستعرض الأول لمضامين هذا المشروع، فخلال اجتماع رئاسة مجلس الوزراء، الجهة الأعلى الرسمية المعنية بوضعه موضع التطبيق، أكد رئيس مجلس الوزراء أن هذا المشروع سيدفع باتجاه إعادة بناء الدولة السورية وإدارة المؤسسات، وسيكون النواة الأساسية لبناء سورية، مشيراً إلى دوره في محاربة الخلل والفساد، وبالتالي فإنه محكوم عليه بالنجاح.
هذا المشروع المطروح نظرياً منذ سنين خلت، والذي طال انتظاره، يبدو أنه صدر اليوم بشكل مدروس ومتكامل الجوانب، ما يؤسّس لمزيد من الثقة في نجاحه، وهذا يتطلّب المزيد من التأني والحكمة في اختيار وتأطير الحوامل البشرية المطلوبة لتنفيذه، والتي ستجد نفسها في مواجهة ثلة غير قليلة من معرقلي الإصلاح، الذين مازالوا في مواقع القرار تشريعاً وتنفيذاً، وشريحة منهم من مرتكبي الخلل، ليسوا مستعدين للتخلي عن المهام الموكلة لهم، ولا عن كسبهم الحرام ولا الخضوع للمساءلة، وشريحة أخرى لا تملك أية رؤية للإصلاح، وليس لديها المؤهلات العلمية أو العملية أو الأخلاقية، لتنفيذ ما يوضع بين يديها من برامج، هؤلاء المنغصون مستعدون وسيعملون لمواجهة خطوات تنفيذ هذا المشروع، خاصة وأن الكثير منهم لعبوا دوراً كبيراً في تأخير الإعداد لإصداره وإقراره، وسيعمد بعضهم للوقوف على سكة قطار الإصلاح لعرقلة سيره ظناً منهم بعدم حصول الدهس، ومن يخشى الدهس سيتوجه للصعود في القطار بغية التخريب به من الداخل وحرفه عن مساره!.
هذا المشروع الذي يعتمد على وضع مؤشرات للقياس الإداري للجهات العاملة في الدولة، وترتيب الجهات العامة على مرصد الأداء، يجعل من المقتضى البدء أولاً بأن يكون العاملون في المشروع نموذجاً جديراً بالاقتداء، نزاهة وكفاءة ومؤهلات، وأن يعملوا باتجاه تنقية الأجهزة الإدارية الحالية -تدريجياً- من مرتكبي الخلل والقاصرين عن الأداء، بدءاً بالسيئ فالأقل سوءاً، وإعادة النظر ببعض التشريعات التي لا تنسجم مع الطموحات المنشودة للمشروع، وعلى الأغلب سيتطلّب ذلك تعديلات في بعض الهيكليات، واعتماد وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، مع وجوب توصيف المهام المطلوب أداؤها من العاملين، وخاصة شريحتي المهام العليا والمتوسطة، شريطة ألا يغفل العاملون على هذا المشروع عن سعي وتمكُّن بعض الأطراف من العمل باتجاه تنقية واستبعاد الأكثر استقامةً وعطاءً، واستبدال الأنظمة الداخلية القديمة بأنظمة جديدة أضعف، واعتماد هيكليات أردأ من سابقتها، وتحجيم وتقزيم دور بعض المهام، خاصة وأن كثيراً من ذلك قد حدث خلال حملات الإصلاح الإداري العرضية التي تمّت في السنوات السابقة.
وبغية قطع الطريق على هكذا محاولات، على جميع المعنيين أن يضعوا نصب أعينهم ضرورة اعتماد توجهات السيد الرئيس تنفيذاً لا ترديداً، لتحقيق المزيد من الانسجام والتناغم بين جميع الإدارات لما فيه تحقيق أفضل وأسرع خدمة، واعتماد المزيد من العلنية في المطروح والمطلوب، وتفعيل دور جميع الأحزاب والمنظمات وهيئات المجتمع المدني، وعقد المزيد من الاجتماعات والندوات وورشات العمل العامة والمتخصّصة، على مستوى كل إدارة أو عدة إدارات، وتكثيف الملتقيات الشعبية بين المواطن والمسؤول، شريطة حضور مراقبْ ومتابعْ من الجهات الرقابية والإعلامية، التي عليها أن تستثمر حضورها باتجاه ما يكشف ويدحض كل أداء يخالف التوجهات العامة لمشروع الإصلاح، ومعالجتها في مهدها، وضرورة ترافق ذلك بمساءلات وعقوبات.
من المؤكد أن كثيراً من حالات الخلل الإداري مكشوفة أمام القائمين على هذه الإدارات، وهم الأدرى بجميع حيثياتها، ما يستوجب أن تعمد كل إدارة لاستعراض حالات الخلل الموجودة فيها، عبر استئناس آراء العاملين الذين لبعضهم دور رئيسي في حدوث هذا الخلل، ارتكاباً له أو صمتاً عنه، ولبعضهم الآخر دور كبير في معالجته، دلالة عليه أو تصحيحاً له، لا بل من الضروري أن تعمد كل إدارة باتجاه الاستئناس بآراء المتعاملين معها من الجهات الرسمية والخاصة والشعبية، بخصوص كمية ونوعية الخلل المشكو منه، وعرض قبول اقتراحاتهم في معالجته، على أن تعمد كل إدارة إلى إحاطة إدارتها العليا بالخلل القائم وأن تتدارس معها الوسائل المساعدة في المعالجة.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
هذا المقال منشور في صفحة اقتصاد من صحيفة البعث العدد / 15876 / ليوم الأحد 9 / 7 / 2017