لعقود مضت ونحن نسمع أن صندوق هذه الجهة ما تعرض لسرقة مبلغ كذا، وأن محاسب تلك النقابة أو المنظمة أو الإدارة سرق كذا، وقد حدث مثل ذلك في العديد من الجمعيات الأهلية أو الخيرية.
بتاريخ 20/12/2016 أوردت دورية إعلامية محلية نبأ اختلاس أكثر من /51/ مليون ل. س من سكر الفقراء في درعا، 2016، ومؤخراً أظهرت التحقيقات الأولية في الفرع /12/ للمصرف التجاري في دمشق أن المديرة ومعاونتها اختلستا ملياراً وثمانمائة مليون ليرة سورية، وما زالت المبالغ المالية الكبيرة المفقودة في الملف التأميني رهن التساؤل ومحط انشغال السلطات المعنية.
الغريب في الأمر أنه كثيراً ما تكون تهمة السرقة أو الاختلاس الحاصل في هذه الإدارات موجهة إلى واحد أو اثنين، في حين أن النظام المالي يوجب وجود لجنة مالية لدى كل الجهات المنظمة الرسمية والخاصة، ومن المعتاد أن تتألف اللجنة من ثلاثة عناصر من المكلفين بمهام لدى الجهة، وغالباً ما تكون رئاسة اللجنة معهودة إلى رئيس الجهة أو أحد مرؤسيه الأعلى، ومن المتوجب ألا يتم أي سحب أو إيداع إلا بعلم اللجنة مكتملة، ودراية وتوقيع رئيس الجهة، والتعليمات المالية تنص على صلاحية اللجنة بسحب مبلغ معين حال السحب، كما تنص على أحقية احتفاظ أمين الصندوق بمبلغ معين.
الملفت للانتباه أنه كثيراً ما تبيّن أن المبالغ المختلسة أو المسروقة تتجاوز المبالغ المحددة بالسحب أو الاحتفاظ، وبالتالي فإن تواصل وتكرر مثل هذه الحوادث، في أكثر من زمان ومكان، يدفع باتجاه التساؤل؟ أليس من المتوجب على المعنيين الرسميين التمعن ملياً في إمكانية اتخاذ كافة التدابير الوقائية التي تؤدي لتخفيف هذه الحالات عبر مراجعة الأنظمة المالية المعمول بها والتي قد تتباين بين جهة وأخرى، وضرورة التأكيد على مسؤولية رئيس الجهة عن عمل هذه اللجان، والحض على استبعاد عنصر الثقة بين أعضاء كل لجنة، والتوجيه بأن يكون كل عضو معني بالذات، فكثيراً ما نجمت حالات اختلاس أو سرقة، نتيجة تفرد أحد أعضاء اللجنة بمهامها تحت عنوان أنه محط ثقة من زملائه، ليتوارى عن الأنظار عندما تسنح له الفرصة بذلك، ليذهب الجمل بما حمل. ويبقي زملاءه قيد المساءلة والمحاسبة.
وهنا هل من الجائز القول: إن حدوث مثل ذلك يعود لضعف الضوابط المالية الموجودة أو ضعف التقيد بها، ما يجعل المال العام سائباً، ويسيل لعاب أولاد “الحرام”، بل وحتى ضعاف النفوس من بعض أولاد الحلال.
كم هي الحاجة ماسة لمزيد من التعليمات المدروسة الصارمة التي من المتوجب أن يتم إعدادها بحيث تخفف من حدوث المزيد من الاختلاسات، خاصة وأنه من المفترض أن تكون الأساليب المحاسبية والتقنيات الحاسوبية التي تتحدث بشكل دائم، خير مساعد في تحقيق ذلك، وعلى الجهات الرقابية ممارسة دورها المتتابع، وفق مهامها والجديد التي قد تضيفه، خاصة أجهزة الرقابة الداخلية في الإدارات، وفروع الجهاز المركزي للرقابة المالية الموجودة في المحافظات، والتي يدخل ضمن برنامجها زيارات سنوية دورية للجهات العامة، والتي عليها أن تكثف من الزيارات العرضية، وتقضي المصلحة العامة المزيد من زيادة كوادرها النوعية وتوسيع مهامها.
حبذا توجيه جميع الإدارات لاجتناب أن تلقى مهام عضوية اللجنة المالية أو أية مهمة مالية، على غير المؤهلين محاسبياً وحاسوبياً، وألا تلقى المهام الرقابية إلا على غير الموصوفين بالنزاهة والأخلاق الحسنة، وأن تجهد جميع الإدارات في اتخاذ الإجراءات اللازمة، بما يضمن كشف المختلس خلال ساعات قليلة من ارتكابه الجرم، وليس بعد أيام أو أشهر، وأيضاً أن تجهد السلطات الأمنية باتجاه العمل لضمان، تحقيق إمكانية القبض على المختلس داخل القطر، فأي ضعف في الأنظمة المالية أو الأجهزة الرقابية، ينعكس سلباً على سلامة المال العام.
عبد اللطيف عباس شعبان / عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
هذا المقال منشور في صفحة اقتصاد من صحيفة البعث ليوم الجمعة 11 / 8 / 2017 العدد -15902