بانوراما سورية- عبد العزيز محسن:
قد لا يكون لدى وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك خيارات أو وسائل أخرى لضبط الأسعار وإعادة التوازن إلى الأسواق باستثناء الوسائل التقليدية المتعارف عليها كالمراقبة وتنظيم الضبوط للمخالفين.. وهي وسائل اثبتت قصورها لأسباب عديدة من بينها عدم القدرة على تغطية سوى أجزاء بسيطة من الأسواق، إضافة إلى براعة التجار المخالفين في التهرب من الدوريات، وصولاً إلى عدم وجود التعاون اللازم من المواطن مع الأجهزة الرقابة بالتبليغ عن الغبن الذي يلحق به من التجار المخالفين وهو ما يُعرف بضعف ثقافة تقديم الشكوى التي قد تخفف إلى حد ما من ارتفاع الأسعار ومن جشع بعض التجار في حال تم تعميم هذه الثقافة وانتشارها بشكل اكبر وعلى نطاق واسع..
هذا الكلام قد يكون نظرياً ولا ينفع ولا يُغني ومعروف لدى الجميع.. ولكن ما هو غائب عن أذهان الكثيرين أن الأسباب الحقيقية للفوضى التي تعيشها الأسواق هو ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل عام وكبير جراء الوضع الاقتصادي الراهن، الأمر الذي يدفع الكثير من التجار وأصحاب المهن العادية والبسيطة إلى رفع أسعار منتجاتهم وخدماتهم كي تتناسب مع مستوى ارتفاع تكاليف المعيشة بغض النظر عن التسعير الرسمي أو التكلفة الحقيقية للسلعة أو الخدمة وهامش الربح المسموح به رسمياً… فعلى سبيل المثال يرفع عامل التمديدات الصحية والكهربائية والصيانة بمختلف انواعها والخياط والإسكافي والحلاق أسعار خدماتهم بشكل ارتجالي بعيداً عن الأسعار الرسمية المعتمدة رغم اعتمادهم على مجهود شخصي فقط ولا يتطلب عملهم سوى بعض الأدوات البسيطة غير المكلفة مادياً، وعندما تتناقش معهم عن اسباب رفع أسعارهم يجاوبون بكل بساطة بأن السبب هو ارتفاع أسعار المعيشة ولا يمكن العمل بالأسعار الرسمية.. وحتى تلك المرأة التي تبيع النباتات والأعشاب البرية على الأرصفة ترفع أسعار منتجاتها والسبب هو ذاته ارتفاع تكاليف المعيشة… وكذلك الأمر التجار أو أصحاب المهن الحرة ممن يملكون محلات او المستأجرين يبررون اسباب رفع أسعارهم بشكل كيفي كي يغطوا التكاليف الإضافية ومن بينها ارتفاع الإيجارات والنفقات الأخرى يضاف إليها ارتفاع تكاليف المعيشة…وقس على ذلك..
من هنا يتضح بأن موضوع ارتفاع الأسعار وفوضى الأسواق موضوع معقد وذات تركيبة متشعبة وما هو إلا امتداد وانعكاس لحالة البلد الاقتصادية شئنا أم أبينا والتي أحد أسبابها ارتفاع سعر الدولار وانعكاساته على المستوردات إضافة إلى تراجع حركة الصادرات وضعف نمو الناتج المحلي.. وكلها عوامل مؤثرة ومسببة للوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب الذي يمر به البلد والذي يتأثر به بالدرجة الأولى المواطن من ذوي الدخل المحدود، يضاف إلى ذلك وجود أعداد كبيرة من أصحاب الضمائر الميتة ممن لا يقبلون بهوامش مقبولة ومعتدلة من الربح وتراهم يساهموا في نشر حملات التهويل والتخويف والمبالغة ويستغلونها في جني أرباح خيالية غير مشروعة.. ومثل هؤلاء يجب على الدولة والمواطن معاً العمل على تعريتهم وكشفهم ومحاسبتهم فهم بمثابة الطابور الخامس الذي يتحالف مع قوى الشر والإرهاب ضد مصلحة المواطن وضد الاقتصاد الوطني وضد نهضة الدولة السورية..