طرطوس – فاديا مجد – ربا أحمد – مها يوسف
لحظات لا تنسى في أرواد، الجامع كان ينادي والبحارة هرعت إلى المراكب والشباب تدافعوا ليساندوا بعضهم براً وبحراً.. الأمواج عاتية والجثث تطوف بانتظار أهل الهمم وأبناء البحر.. ليلة ظلماء لم يرض أهل أرواد أن يقفوا فيها مكتوفي الأيدي.
رئيس جمعية نقل الركاب في أرواد خالد كاخية أوضح أن أحد السائقين في ميناء أرواد أبلغ عن وجود جثة بين المراكب، فقمنا بانتشالها وإذا بجثة أخرى تطفو على الماء فتوجهت ١٠ مراكب نزل في كل واحدة منها ١٠ شباب وبدؤوا بالبحث حول الجزيرة، فوجدوا شاباً معلقاً على ظهر مركب حكى لنا ما حدث معهم، فتوجهنا بالمراكب نحو ٧ أميال بعرض البحر وكانت الرياح عاتية، حيث وجدنا حقائب وسواتر، فبدأنا بالبحث عن جثث لنجد عدداً منها بالقرب من الجزر القريبة من أرواد، وأتى ليساندنا أكثر من ٣٠ مركباً لمدة ثلاثة أيام كان هناك استنفار كامل لأهل الجزيرة.
وأضاف كاخية: إن طبيباً مسعفاً كان يتواجد على الجزيرة لإجراء الإسعافات الأولية، حيث انتشلنا ٤٥ شخصاً كان منهم ٣٠ متوفىّ و١٥ أحياء.
وعن توافر السواتر والمواد اللوجستية اللازمة لمثل هذه الحالات في المراكب، أشار إلى توافرها في جميع مراكب أرواد إضافة إلى أن شباب أرواد بحارة أباً عن جد.
نخوة واندفاع للمساعدة
وفي لقاء مع عدد من الشباب الذين شاركوا بالإنقاذ، أوضحوا أن حالة من الصدمة كانت لديهم من كثرة الجثث والموتى ولاسيما الأطفال والنساء، وعند اقتراب المركب منهم يسندون بعضهم بعضاً في سحبهم، فجميع أهالي الجزيرة اندفعوا بنخوة للمساعدة وكانت النساء تنتظر على الجزيرة بالأغطية وشيخ البلد ينادي للمساعدة، واصفين الحالة بأنها متاجرة بالأرواح وعملية قتل جماعي، فالعدد أكبر من حمولة المركب بثلاثة أضعاف ولا أحد من بينهم يعرف عن إصلاح المراكب أو الإنقاذ، ولم يكن لديهم سواتر كافية، ووصف أحد البحارة المشهد قائلاً: «تقطعت قلوبنا على جثث الأطفال، كانت لحظات عصيبة جداً على الجميع».
رئيس بلدية أرواد نور الدين سليمان تحدث عن الحادثة كيف بدأت بالإبلاغ عن وجود جثة وتواصلهم مع جميع الجهات، لتليها حالة استنفار بعد وصول جثة ثانية بطلب من شيخ الجامع ودعوة البحارة وأصحاب المراكب الذين بدؤوا بالتوجه جميعهم في عرض البحر لإنقاذ الناجيين وانتشال الجثث، وكانت توجيهات المحافظة بتأمين جميع المتطلبات اللازمة، حيث استمر البحث والعمل حتى الساعة الثالثة صباحاً من دون توقف من أهل الخير بحالة طقس سيئة حيث كان يومها ارتفاع الموج يبلغ ٣ أمتار.
جزيرة صغيرة حملت قلباً كبيراً
أهالٍ لم يستأذنوا طقساً ولا خوفاً ولا أمواجاً ليهرعوا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وقلوبهم مليئة بأمل أن ينقذوا شخصاً، الرجال أخذت أبناءها وأصحاب المراكب استخدمت كل ما لديها من مازوت، ليتحدوا في لحظات قاسية جداً لأنهم أهل أرواد، أهل البحار منذ آلاف السنين.
استنفار المنظومة الصحية على مدار الساعة
مدير صحة طرطوس الدكتور أحمد عمار أكد «للثورة» أنه منذ تلقي منظومة الإسعاف والطوارئ في المديرية بلاغاً من ميناء جزيرة أرواد بوجود عدد من الأشخاص في عرض البحر وذلك في تمام الساعة ٤.٢٠ دقيقة من يوم الخميس الماضي تمت الاستجابة، واستنفار الكوادر الصحية في المحافظة ولاسيما في منظومة الإسعاف والطوارئ.
وأضاف: بدأت الاستجابة بـ ٤ سيارات إسعاف ثم وصل عدد سيارات الإسعاف إلى ٢٠ سيارة من منظومة الإسعاف و٤ سيارات من الهلال الأحمر، مبيناً أنه تم نشرهم على الشكل التالي: 2 سيارة إسعاف على شاطئ الأحلام، 2 سيارة إسعاف حوض المارينا كورنيش البحر، 8 سيارات إسعاف قبالة أرواد، إضافة إلى أنه تم استدعاء عناصر إضافية من خارج النوبة لدعم العمل.
وبين أنه تم أيضاً تقديم الخدمات المنقذة للحياة في المكان وفي أثناء النقل إلى الهيئة العامة لمستشفى الباسل التي كانت كوادرها متأهبة، حيث تم تقديم جميع الخدمات الطبية للمصابين والعمل والتنسيق بين مختلف الجهات الحكومية وبأعلى مستوى في البحث عن المفقودين وانتشال الضحايا من البحر.
ولفت مدير الصحة إلى استمرار منظومة الإسعاف والطوارئ بتنفيذ الاستجابة الفورية والمناسبة لحالات الغرق التي وصلت قرب الشاطئ خلال الأيام التالية، وذلك عبر تقديم الخدمات المنقذة للحياة في المكان أو في أثناء النقل الآمن للهيئة العامة لمستشفى الباسل.
واشار إلى قيام وزير الصحة الدكتور حسن الغباش يوم الجمعة 23/9/2022 بتفقد المصابين في الهيئة العامة لمستشفى الباسل بحضور المحافظ عبد الحليم خليل وأمين فرع حزب البعث العربي الاشتراكي الدكتور محمد حسين وقائد شرطة المحافظة ومدير الصحة ومدير الهيئة العامة لمستشفى الباسل وعدد من المعنيين.
وبخصوص جثامين الحادث المأساوي قال: تم نقل جثامين بعض ضحايا المركب إلى معبر العريضة الحدودي مع لبنان لتسليمهم إلى الصليب الأحمر اللبناني أصولاً بسيارات الإسعاف التابعة لمديرية الصحة وسيارات من الهلال الأحمر العربي السوري، كما تم تخريج جميع المصابين من مستشفى الباسل والبالغ عددهم ٢٠ إلى منازلهم بصحة عامة جيدة ومستقرة.
وبين عدد الضحايا حتى تاريخ اليوم 101 ضحية، تم التعرف على 62 منهم، في حين تم تسليم 49 جثماناً لذويهم بعد انتهاء الإجراءات القانونية أصولاً، ولا يزال البحث جارياً ومسعفو منظومة الإسعاف والطوارئ الشجعان في استنفار تام واستجابة مستمرة على مدار 24 ساعة لتقديم الاستجابة الصحية المناسبة بشكل فوري.
في مستشفى الباسل.. حكاية أمل بانتظار ناجٍ
مدير الهيئة العامة لمستشفى الباسل الدكتور اسكندر عمار قال: منذ اللحظات الأولى لإعلامنا بوقوع الحادث المأساوي للمركب اللبناني استنفرت كوادر المستشفى خاصة قسم الإسعاف وبقية الأقسام المعنية بهذا الأمر، حيث تم استقبال المصابين الذين أسعفوا من منظومة الإسعاف والهلال الأحمر العربي السوري، وعلى الفور أجري لهم كل ما يلزم في قسم الإسعاف لينقلوا بعد ذلك إلى الأقسام المختصة، لافتاً إلى أن البعض منهم دخل قسم العناية المشددة، وعددهم ثمانية، والبعض الآخر كان في الأقسام الأخرى، حيث تم تقديم العلاج الإسعافي المنقذ للحياة مباشرة، ومن ثم التعامل مع كل حالة على حدة، وحسب حالة كل مريض، من الكادر الطبي الاختصاصي الموجود في المستشفى المدرب والخبير بمثل هذه الحالات، والذي استطاع خلال ٤٨ ساعة من الوصول إلى بر الأمان بجميع هؤلاء المرضى.
وأشار الدكتور عمار إلى أن المرضى في قسم العناية قد تم تخريجهم إلى كل قسم مختص، بينما المرضى الموزعون في الأقسام المختصة فقد تماثلوا للشفاء وبالتدريج تم تخريجهم جميعاً، مبيناً أن جميع من أسعف للمستشفى هم بحالة عامة جيدة جداً وقد أصبحوا في منازلهم ودون أي عقابيل نتيجة تلك الحادثة المأساوية.
التعامل باحتراف والتعرف على الجثامين
أما بخصوص الجثامين التي وصلت فذكر الدكتور اسكندر أنه حتى هذه اللحظة وصل مئة جثمان لأشخاص من جنسيات مختلفة سورية ولبنانية وفلسطينية، موضحاً أنه منذ لحظة وصولهم تم التعامل معهم بشكل احترافي، حيث حضرت هيئة الطب الشرعي بالتعاون مع كوادر المستشفى والقضاء، والذي تم فرز قضاة مختصين بمثل هذه الحالات، وكذلك هيئة الأدلة الجنائية والتي قامت بأخذ عينات DN A من جميع الجثامين، والتي تم توصيفها من هيئة الطب الشرعي أيضاً، ومن الأدلة الجنائية والتي بدورها أخذت الصور اللازمة، ليتم من بعد ذلك توثيق جميع هذه الحالات، ومن ثم عند الانتهاء من ذلك تم نقل تلك الجثامين بالوسائل المبردة إلى البراد المركزي، الذي جمعت فيه جميع الجثامين بشكل منظم يضمن سرعة التعرف عليها.
وفيما يخص أهالي الضحايا الذين راجعوا المستشفى بكثرة منذ اللحظات الأولى لوقوع حادثة غرق المركب سواء أكانوا من داخل سورية أم من خارجها لفت الدكتور عمار إلى أنه قدم لهم كل ما يلزمهم من عون وإيصالهم لجثامين ذويهم، ليتم التعرف عليها في مركز الأدلة الجنائية من خلال الصور، ومن ثم توجيههم إلى الجثامين للتعرف عليها لتسلم إليهم أصولاً، مؤكداً أنه كانت هناك توجيهات عليا من أجل تسهيل أمور تسليم الجثامين لذويهم، وبأبسط الإجراءات قدر الإمكان، مشيراً إلى تعليمات وزير الصحة بإيصال تلك الجثامين جميعها إلى ذويها حيثما كانوا في سورية أم خارجها، وقد أشرف وزير الصحة شخصياً وبشكل مباشر على عملية إيصال الجثامين إلى الأشقاء اللبنانيين في اليوم الأول عبر سيارات منظومة الصحة وكذلك سيارات الهلال عبر معبر العريضة، حيث تم تسليمها للصليب الأحمر اللبناني.
تقديم التسهيلات وما يلزم المستشفى
ونوه بقيام وزير الصحة ومنذ اليوم الأول بجولة على جميع المرضى في مستشفى الباسل بغية الاطمئنان على صحتهم وسير العملية الطبية، مقدماً كل التسهيلات وكل ما يلزم للمستشفى من أجل متابعة علاج المرضى.
وختم كلامه بالقول بأنه بلغ عدد الذين راجعوا المستشفى عشرين حالة، جميعهم تلقوا العلاج، ثمانية منهم كان في العناية المشددة، و١٢ في الأقسام المختصة، وجميعهم تماثلوا للشفاء، وتم تخريجهم وهم بحالة صحية ممتازة، مبيناً أنه كانت هناك حالاتان متوسطتا الخطورة إلى خطيرة، وقد وضعت حالة على المنفسة، والحمد لله وفقنا ووصلنا بهم إلى بر الأمان، وتخرجوا وهم بحالة عامة ممتازة سيراً على الأقدام إلى منازلهم
اليوم وقد ارتفع عدد الضحايا إلى 101، تم تسليم ٧٣ منها لذويهم منهم 45 سوريون و23 لبنانيون وخمسة فلسطينيين، فيما التوقعات تشير إلى وجود أكثر من 50 ضحية ما زالت مفقودة.
زار وفد من القطر اللبناني الشقيق ممثلاً برئيس تجمع عائلات طرابلس والشمال عدنان العمري، ونائبه نقيب المعلمين في شمال لبنان، ونزار الموعي ممثلاً هيئة سياسية، محافظة طرطوس والتقى المحافظ عبد الحليم عوض خليل.. وبكلمات عميقة ملؤها مشاعر الامتنان والتقدير عبّروا عن شكرهم وتثمينهم عالياً الجهود التي بذلتها الحكومة السورية في التعامل مع ضحايا المركب اللبناني الغارق من خلال اهتمام ومتابعة المحافظ وما قدّمته الكوادر الصحية وفرق الإنقاذ بأنواعها بطرطوس، متمنين إيصال شكرهم العميق لأهل جزيرة أرواد لما فعلوه من لحظة اكتشافهم غرق المركب، مجسّدين أعلى قيم المروءة والشجاعة والنخوة.
وأكد المحافظ للوفد أن شعب سورية لم يقم إلا بما أملته عليه قيم الأخوة والمحبّة، ولم نقدّم إلا الواجب ضمن توجيهات السيد الرئيس بشار الأسد بالوقوف إلى جانب إخوتنا اللبنانيين والعرب.، وسَلّم الوفد اللبناني المحافظ درع عربون محبة وتقدير للسيد الرئيس الدكتور بشار الأسد، وقدّموا للمحافظ درع شكر وتقدير من تجمع عائلات طرابلس والشمال.
70 ألف ليتر مازوت لمراكب جزيرة أرواد
صدر قرار لوزارة النفط قضى بتعويض أصحاب المراكب في جزيرة أرواد بكميات إضافية من مادة المازوت بلغت أكثر من 70 ألف ليتر خصصتها الوزارة لتغطية ما تم استهلاكه من قبلهم أثناء مساعدتهم في عمليات إنقاذ ضحايا المركب اللبناني الغارق قبالة السواحل السورية.
الموانئ في جهوزية
المدير العام للموانئ العميد سامر قبرصلي اوضح أنه ورد إلى غرفة عمليات الموانئ بلاغ يفيد بوجود شخص طافٍ على قطعه خشب مقابل جزيرة أرواد تم الخروج بزورق موانئ من ميناء أرواد باتجاه الشخص المذكور وفي أثناء الإبحار تم العثور على عدد من الجثث طافية على سطح البحر.
وأضاف: تم استنفار جميع الموانئ على طول الشريط الساحلي وتسيير العائمات البحرية التابعة للمديرية العامة للموانئ ومنها دوريات راجلة وزوارق مطاطية ودوريات صغيرة وكبيرة للقيام بدوريات مكثفه كلٌّ ضمن قطاعه للبحث عن الجثث والناجين نتيجة غرق الزورق.
وأوضح العميد قبرصلي أنه كانت حصيلة عمليات البحث والإنقاذ التي بدأت من 22 لغاية 27/ 9 ضمن قطاع دائرة ميناء أرواد تم انتشال 28 جثة و13 ناجياً مقابل الجزيرة وجنوبها.
وضمن قطاع رئاسة ميناء الصيد والنزهة بطرطوس والمخافر التابعة لها الممتد من العريضة جنوباً وحتى مخفر الرمال الذهبية شمالاً تم انتشال 60 جثة و 7 ناجين.
وفي قطاع ميناء بانياس الممتد من مخفر كفر سيتا وجنوباً حتى مخفر عرب الملك شمالاً تم انتشال 12جثة. وفي قطاع ميناء جبلة تم انتشال جثة واحدة مقابل مخفر الصنوبر وتم تسليمها إلى الدفاع المدني باللاذقية.
وأفاد العميد قبرصلي أن الحصيلة النهائية حتى تاريخ اليوم 28 أيلول الجاري هي 101جثة و20 ناجياً تم نقلهم تباعاً إلى مستشفى الباسل بطرطوس بواسطة منظومة الإسعاف والهلال الأحمر وما زال البحث جارياً عن الجثث والناجين.
بانوراما سورية- الثورة