تخطى إلى المحتوى
آخر الأخبار
لجنة القرار/43/ تناقش عدداً من القرارات والإجراءات الخاصة بشروط شغل مراكز عمل القيادات الإدارية الرئيس الأسد يبحث مع عراقجي سبل وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان وتقديم الدعم والمساعدة للأشقاء اللب... مجلس الوزراء : تشكيل لجنة مختصة لمراجعة بعض القرارات والأنظمة الخاصة بشغل مراكز عمل القيادات الإداري... استشهاد ثلاثة مدنيين وجرح تسعة آخرين في عدوان إسرائيلي على مدينة دمشق في برقية تعزية وجهها للمقاومة الوطنية اللبنانية ولعائلة الشهيد نصر الله … الرئيس الأسد: المقاومة لا ... سورية تدين بشدة العدوان الإجرامي الإسرائيلي الذي أدى إلى استشهاد السيد حسن نصر الله وتحمل كيان الاحت... حزب الله يعلن استشهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بعد أدائها اليمين الدستورية أمامه.. الرئيس الأسد يرأس اجتماعاً توجيهياً للوزارة الجديدة الرئيس الأسد يصدر مرسوماً يقضي بتشكيل الوزارة الجديدة برئاسة الدكتور محمد غازي الجلالي الرئيس الأسد يصدر مرسوماً تشريعياً بعفو عام عن جرائم الفرار والجنح والمخالفات المرتكبة قبل تاريخ الـ...

“سورية: تغيير النمط الاقتصادي الحالي ضرورة ملحة لتطور البلاد وتحقيق تنمية اقتصادية عادلة ومستدامة”

*د. جوليان بدور

في الخطاب الهام والتاريخي الذي ألقاه السيد الرئيس أمام أعضاء مجلس الشعب في ٢٥/٠٨/٢٠٢٤، حاز الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي على القسم الأكبر منه. منذ البداية أشار السيد الرئيس إلى أن معظم السوريين يتساءلون في الوقت الراهن حول كيفية الخروج من الوضع المعيشي الحالي وحول ما ينتظرهم في الحاضر والمستقبل. وبكل وضوح وثقة أكد سيادته بأنه لا شيء أخطر علينا اليوم من الاستمرار باتباع سياسة الهروب إلى الأمام وانكار الواقع بدلاً من مواجهة التحديات الضخمة ومعالجة المشاكلات الحادة التي تعاني منها البلاد.كما أوضح السيد الرئيس بأن هذا الوضع هو نتيجة تراكمية لعقود من الرؤى والسياسات العامة المتبعة في السنوات الماضية. بالتالي لا يمكننا فهم هذا الواقع والخوض فيه وتغييره من دون ربطه بما سبقه من مراحل. فالحاضر هو نتيجة الماضي والأزمات الوطنية الكبرى لا تأتي فجأة. لذالك فالربط بين الحاضر والماضي هو ضروري لأنه سيساعدنا على التمييز بين الأسباب الموضوعية والأسباب غير الموضوعية. فيما يخص هذه المسألة الهامة قال السيد الرئيس إذا كنّا لا نتحمل مسؤولية الأسباب الموضوعية بشكل مباشر لإنها أكبر من طاقة البلد،كالحرب، والحصار ، والأرهاب والسياسات العامة القديمة والازمات العالمية المتنوعة ، بالمقابل فإن السلطة التنفيذية هي المسؤولة بشكل مباشر عن الأسباب غير الموضوعية كون الأمر متعلق بتقصير المسؤولين في الحكومة . بالتالي فان تصريحات بعض المسؤولين في الحكومة حول مسألة أن الحرب والحصار والأرهاب هي المسببة للوضع الراهن غير كافية، بالرغم من أنها صحيحة، لإننا لا نستطيع ان نعالج كل شيء تحت عنوان الحرب والحصار. فالأزمات الاقتصادية الحادة هي حالة نقص مناعة غير ظاهرة للعيان. ولكي نبحث في أسباب نقص المناعة علينا أن نبحث في نوعية وطبيعة التوجهات والسياسات الاقتصادية العامة المتبعة في السنوات الماضية.
رغم أن بعض الأخطاء المرتكبة حدثت في نهاية القرن الماضي (كالاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي والشراكة الأوروبية ومساعدات الدول العربية النفطية والتخلي للقطاع الخاص في استيراد الحاجات الأساسية )، إلا أن الحدث الأكبر والأهم والمسؤول الرئيس عن ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد كان ، من وجهة نظرنا، تبنّى نموذج أقتصاد السوق الاجتماعي في عام ٢٠٠٥ كعنوان يخفي السياسة النيوليبرالية الحقيقة المتبعة منذ ذلك الوقت. بالنسبة لنا ، قرار أعتماد الليبرالية الجديدة كسياسية اقتصادية تنموية في بلادنا في وقت باتت تظهر فيه بوادر فشل هذه النظرية منذ عام ٢٠٠٨ (أزمة الرهن العقاري) والاستمرار بتطبيقها بالرغم من إعلان الحرب الكونية على البلاد في عام ٢٠١١ والتأكد من فشلها في تحقيق الأهداف المنشودة منها (نمو اقتصادي قوي ورفاهية عامة للشعب) في الدول التي تبنتها كان خطأ استراتيجي كبير ذو عواقب وخيمة.
فسواء تعلق الأمر بتفاقم الفقر المدقع وعدم المساواة، بتقزيم وتحجيم دور الدولة والقطاع العام، باحتكار السوق الاستثرائي وغياب المنافسة وأرتفاع الأسعار وغلاء المعيشة ، بإنهيار القوة الشرائية للرواتب والأجور والعملة الوطنية وبيع الممتلكات العامة بسعر زهيد، بخصخصة قطاعات الصحة والتعليم وتراجع الرعاية الصحية ونشر الفوضى والفساد فيهم ، بتحويل الاقتصاد من اقتصاد منتج ومستقل الى أقتصاد طفيلي مالي تابع، بتحويل وسائل الإعلام والميديا من وسائل تدافع عن المصلحة العليا للبلاد إلى أدوات دعائية في خدمة مصالح قلة من الاثرياء ونشر ثقافة التفاهة ، بنشر التشاؤم والإحباط والفساد في المجتمع، بتدمير نظم القيم الأخلاقية والأسرية والثقافية والولاء للوطن وإحلال محلها قيم تعظيم الذات والفردية والانانية … إلخ، كل هذه الظواهر والآثار عانت منها بشكل وبآخر جميع دول العالم التي تبنت النهج النيوليبرالي بما فيها بلدنا.
أمام الاخفاق الهائل والنتائج الكارثية للنهج النيوليبرالي ، قررت حكومات الكثير من الدول، بما فيها الولايات المتحدة والصين وكوريا الجنوبية والهند والاتحاد الأوروبي، التخلي عن النيوليبرالية لصالح سياسات الحمائية الجمركية كشكل من أشكال الدفاع عن اقتصادها . فمثلاً في عام ٢٠٢٢ صوتت الولايات المتحدة لصالح قانون (IRA) والذي ترجم بدعم الشركات الخاصة باكثر من ٧٠٠ مليار دولار. كما قامت الصين وكوريا الجنوبية والهند بتقديم مساعدات مالية هائلة وبمئات المليارات من الدولارات لشركاتهم من أجل الحفاظ على تقدمهم في مجال التكنولوجيا العالية. استخدام هذا النوع من السياسات الحمائية مؤهل للتزايد والانتشار بشكل أكبر في المستقبل القريب. في الآونة الأخيرة مثلاً قامت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بزيادة الضرائب بشكل كبير جداً على السيارات الكهربائية وغيرها من السلع المستوردة من الصين .في هذا السياق ليس من المستغرب قراءة عناوين لكتب ومقالات كثيرة تشكك في فعالية الليبرالية الجديدة وعواقبها على النمو الاقتصادي ورفاهية الناس، على سبيل المثال ” تراجع وسقوط النيوليبرالية، لدافيد كايلا ٢٠٢٢، ج. كوودكو (٢٠٠٩)، حقائق وأخطاء وأكاذيب، “الليبرالية الفاشلة وإرثها الهزيل”، ومقال ” لقد قادت النيوليبرالية فرنسا إلى الإفلاس” (٢٠٢٣) لهنري فوكيرو .
في ظلّ التراجع الخطير والكبير لفلسفة الليبرالية الجديدة على المستوى الوطني والدولي ونظراً للدور الذي لعبته الليبرالية الجديدة في تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي في بلدنا أصبح البحث عن نهج اقتصادي جديد ضرورة ملحة وهامة لا مفر منها. لكن السؤال هو نحو أي نموذج اقتصادي نتجه وهل من المعقول التخلي عن النهج النيوليبرالي بشكل كامل. في هذا السياق نحن نعتبر بأنه من الحكمة والعقلانية دراسة وتحليل التجارب التنموية التاريخية الناجحة والرائدة للبلدان النامية مثل الصين وفيتنام والهند ودول جنوب شرق اسيا . العبر والدروس التي يمكن استخلاصها من تجارب هذه الدول كثيرة ومتعددة :
أولها هو أن حكومات هذه الدول رفضوا استخدام وصفة النيوليبرالية المستوردة واتبعوا مسار التنمية الاقتصادية المستقلة الذي يأخذ بعين الأعتبار الخصائص الذاتية لكل بلد. ثانيها هو أن اقتصاد السوق بمفرده وما يمثله من قوانين وآليات ومنافسة لا يستطيع تحقيق تنمية اقتصادية عادلة ومستدامة كما برهنت تجارب دول أمريكا اللاتينية . ثالثها أن التخطيط المركزي المستند إلى الدولة ومؤسساتها وقوانينها وآلياتها ، لا يستطيع بمفرده أن يحقق التنمية المتوخاة كما بينّت تجارب دول المنظومة الشرقية. ما يميز هذه الدول عن غيرها هو أن حكوماتها اختارت طريق ثالث يمكن تسميته: “اقتصاد السوق المنظم” أو “اقتصاد السوق الأشتراكي” الذي يقوم بالجمع والخلط ما بين آليات السوق وأدواته وبين سياسات الدولة ومؤسساتها.
فاذا اعتمدنا إذاً على تجارب الدول النامية الأكثر نجاحاً وتألقاً وأخذنا بعين الأعتبار الدور الذي لعبته الليبرالية الجديدة في الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تمر بها البلاد، فسنحتاج إلى نهج اقتصادي جديد مختلف تماماً عن السياسة الاقتصادية الحالية، يجمع ما بين آليات اقتصاد السوق وأدوات الدولة ومؤسساتها ويأخذ بعين الأعتبار الخصائص والسمات المميزة الخاصة بالاقتصاد والمجتمع السوري . بمعنى آخر نحن بحاجة لنموذج يسمح للدولة برسم السياسات العامة وتحديد الأهداف والأولويات الوطنية في كافة المجالات وخاصة الاجتماعية والثقافية مع فتح المجال للقطاع الخاص بالقيام بالاستثمارات التي يراها مناسبة تحت ظل القوانين والتشريعات التي تسمح بالدفاع عن الحريات الفردية والجماعية .
نظراً للوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب الحالي ستكون أولوية الأوليات للسياسات الاقتصادية المقبلة العمل على حشد كل الموارد الاقتصادية والبشرية والمادية للبلاد بغية تحفيز نمو اقتصادي قوي ومستدام يسمح بخلق ثروة كافية تتيح معالجة مشاكل فروقات الدخل والبطالة والفقر وتدخل البلاد في مسار تنمية اقتصادية شاملة وعادلة ومستدامة.
لكن لا بدّ من الاشارة إلى أن نجاح هذ المشروع لن يكون سهلاً لعدة أسباب ، من أهمها المعارضة الشديدة من قبل بعض القوى المحلية والدولية المستفيدة من الوضع الحالي (رجال الأعمال وأصحاب الثروات الجدد وممثلي الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات) ، صعوبة الحرب على الهدر والفساد … وصعوبة التغيير في العقلية ونمط التفكير المؤسسي والفكري والاقتصادي .
لكن كما قال السيد الرئيس “الخيارات الصعبة تعني أن الرؤى والسياسات والخطط تبنى على الحقائق لا على الأحلام الوردية وتأجيل النقاش كما كنّا نفعل دائماً حوّلها إلى وحول…منعتنا من التفكير ومنعتنا من الحركة …..لذلك تأجيل الحوار فيها أصبح غير مقبول الحوار أصبح ضرورة ملحة”.

برأينا الأنظمة الأكثر تكيفاً وكفاءةً هي من يكتب لها النجاح في الغالب. لهذا عندما تتبنى الدولة نظام اقتصادي وطني ومستقل يهدف إلى حصول جميع المواطنين على الحد الادنى من الرعاية الصحية والتعليم والسكن والدخل وتحقيق المساواة الاجتماعية وتقليل الفجوة بين الطبقات الاجتماعية وتعزيز رفاهية جميع أفراد المجتمع فأن قضية نجاحه وانضمام الشعب له والدفاع عنه أمر لا شك فيه.
بقي علينا القول أخيراً بأننا نأمل أن يساهم هذا العمل البحثي والعلمي في مساعدة صناع القرار الاقتصادي والسياسي في بلدنا على وضع سياسات ومقترحات جديدة تسمح بتجاوز أخطاء الماضي من ناحية وتحافظ على الثوابت الاقتصادية والاجتماعية المعلنة رسمياً كما جاء في خطاب رئيس الجمهورية .

* د. جوليان بدور ، أكاديمي وباحث اقتصادي في جامعة ريونيون الفرنسية

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print

إقرأ أيضامقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تابعونا على فيس بوك

مقالات