كشفت مداولات رئيس الحكومة مع الطّاقم الاقتصادي والمعنيّين بملف الجمارك، الأحد الفائت، عن حجم الهوّة العميقة بين ذهنيّتين اقتصاديتين؛ تتنازعان هذا الطاقم، القابض على خنّاقنا؛ والمتحكّم بأكسجين حياتنا؛ والراسم لفضاء لُقمتنا، جسّد الأولى وزيرا الاقتصاد والمالية بمقاربتهما لملف الجمارك؛ إذ شدّد وزير الاقتصاد على أنّ ضبط كامل الحدود أمر شبه مستحيل، والمطلوب في ضوء ذلك هو تخفيض الرسوم الجمركية، ومساواتها بالرسوم في دول الجوار «لبنان مثلاً» على حدّ تعبيره. الأمر الذي سيلغي أو يحدّ من تهريب الكثير من المواد، التي ملأت الأسواق مستطرداً: «الأسواق بتحكي لحالها شو موجود فيها».. كاشفاً عن وجود بضائع ببيان جمركي ولكن من دون إجازات استيراد!!.
بينما اختصر وزير المالية في مداخلته -ومن موقع دفاعي- مشكلة الجمارك بتوفير بعض التّقنيات لها ودعم التطوير فيها، مشدّداً على ضرورة الفصل بين ملف الجمارك وبين ملف التهريب؛ الذي لا يرتبط -برأيه- بالجمارك فقط، وإنّما “بالعديد من الجهات الأخرى، التي قد يكون بعضها ذا سلطة أعلى من الجمارك”. بينما لاذ مدير عام الجمارك بنبرة الدّفاع عن عمل الجمارك؛ من خلال تأكيده عدم وجود تهريب عبر المعابر الرّسمية، شاكياً من القضاء وتعطّل دعاوى بنحو 58 مليار ليرة منظورة أمام المحاكم من دون حسم ومنذ عام تقريباً. فيما الرقم الإجمالي للسنوات السابقة يزيد على عشرة أضعاف هذا الرقم، إذ لا يمكن للجمارك -على حدّ قوله- إلزام التاجر بالتّسويات، بل يتمّ تخييره بين القضاء أو التّسويات، والأكثرية يختارون التّوجه إلى القضاء.
فيما جسّد الذهنية الأخرى حاكم مصرف سورية المركزي الذي استغرب طرح تخفيض الرّسوم الجمركية بينما نحن بحاجة إلى موارد، مبيّناً أن إجازات الاستيراد التي تُعطى للتّجار «لا معنى لها على الإطلاق»، لأن البضاعة التي لا تدخل بإجازة تخضع للتّسويات في الجمارك. واستنكر الحاكم واقع الإنفاق القائم الذي لا يعكس البتة حال الأزمة المعيشة، واصفاً ما يجري بـ”انفلات عجيب بالصّرف”، مؤكداً أن المطلوب هو إجراءات فورية حاسمة في هذا المضمار، والإقلاع عن الدعوة لضغط النفقات.
واستطرد الحاكم بالقول: “نعيش رفاهية مستغربة؛ ومستويات حوار الوزراء نوع من تداول رأي لصناعة قرار، وليس اتخاذ قرار… كل الاحترام لهذه الجلسات، لكن لم أرَ حتى الآن قرارات حكومية ترتقي إلى مستوى الأزمة».
وإذ أيّد رئيس الحكومة معظم ما أورده الحاكم، مطالباً إيّاه بإعداد مذكّرة فنية شاملة لما هو مطلوب من الحكومة استناداً إلى ما تقدّم به من مطالعة. فإنّ النتيجة كانت أنّنا في حرب، والمطلوب وزارة حرب، لا تتلكأ في اتخاذ قرارات تضع حدّاً للنّزف غير الطبيعي الذي تعيشه البلاد.
والحال أنّ قراءة صامتة لما بين ووراء سطور المحضر الحكومي السّاخن؛ تُدلّل وبما يقطع الشكّ باليقين؛ على فارق المسنّنات في عربة الحكومة، وعدم التجانس في مكوّنات طاقمها؛ الذي ما برح يستنزف وقت رئيسها في تدوير الزّوايا، وتوحيد الأشعة، للحصول على القاسم المشترك البسيط من المُخرجات؛ حفاظاً على ماء وجه المؤسسات!.
بين قوسين – البعث