تخطى إلى المحتوى

روائع نزار قباني في عشق السنين الطوال مع بلقيس الراوي

د.رحيم هادي الشمخي
كان الشاعر نزار قباني يلقي قصيدته في أحد القاعات في بغداد والتي ضمت مهرجاناً شعرياً عام 1962م فوقع نظره وهو يشدوا بقصيدته على فتاة عراقية في العشرينات من عمرها شديدة الجمال، مليحة القوام، تلاقت أبصارها مرات ومرات فوقعت في قلبه فهام بها، سأل عنها، فعلم أنها بلقيس الراوي، تعيش في منطقة الأعظمية في بيت أنيق، يطل على نهر دجلة، فتقدم لخطوبتها من أبيها، ولأن العرب لا يزوجون من تغزل في ابنتهم، لم يوافق والدها، فعاد نزار حزيناً إلى اسبانيا حيث كان يعمل في السفارة السورية.
ظلت صورة بلقيس تداعب خياله ولا تغرب عن باله لكنه يتبادل معها الرسائل في غفلة من الوالد، وبعد سبع سنوات عاد إلى العراق ليشارك في المربد الشعري، والقى قصيدة إثارة شجون الحضور، وعلموا أنه يحكي فيها قصة حب عميقة، فتعاطف معه الشعب العراقي مباشرة كان يقول في قصيدته:
مرحباً يا عراق جئت أغنيك
وبعضاً من الغناء بكاء
مرحباً، مرحباً أتعرف وجهاً
حفرته الأيام والأنواء
أكل الحب من حشاشة قلبي
والبقايا تقاسمتها النساء
كل أحبابي القدامى نسوني
لا نوار تجيب ولا عفراء
كان عندي هنا أميرة حب
ثم ضاعت أميرتي الحسناء
أين وجه من الأعظمية حلو
لو رأته تغار من السماء

نقلت القصيدة إلى الرئيس العراقي السابق المرحوم (أحمد حسن البكر)، فتأثر بها فبعث بوزير الشباب آنذاك الشاعر (شفيق الكمالي) ووكيل وزارة الخارجية والشاعر شاذل طاقة ليخطباها لنزار من أبيها، عندها وافق والدها فتزوجا عام 1969 ليعيشا أجمل الأيام في حياتهما.
وبعد عشر سنوات من الزواج والترحال قال فيها قصيدة غناها كاظم الساهر مطلعها:
أشهد أن لا امرأة
أتقنت اللعبة إلا أنت
واحتملت حماقتي
عشرة أعوام كما احتملت
واصطبرت على جنوني مثلما صبرت
وقلّمت أظافري
وأدخلتني روضة الأطفال
إلا أنت
ما إن أشرق عام 1981م وبعد أن استقر نزار وزوجته المقام في بيروت، حيث كانت بلقيس تعمل في السفارة العراقية، حتى كان الخامس عشر من الشهر الأخير من عام 1981 ودعها نزار لتذهب إلى عملها، وذهب نزار إلى مكتبه في شارع الحمرا، وبعد أن احتسى قهوته سمع صوت انفجار زلزله من رأسه إلى أخمص قدميه، فنطق دون شعور، قائلاً:
يا ساتر ياربي، وما هي إلا دقائق حتى جاء الخبر ينعى له محبوبته التي قتلت في العملية، فكتب فيها قصيدة رثاء لم يكتب أطول منها في حياته، ولا أجمل منها في سيرته الشعرية، هذه قصة الحب والإرهاب، أنها قصة تؤكد أنه ليس للإرهاب قلب، وليس له مبدأ وليس له إيمان.
شكراً لكم
شكراً لكم
فحبيبتي قتلت.. وصار بوسعكم
أن تشربوا كأساً على قبر الشهيدة
وقصيدتي اغتيلت
وهل من أمة في الأرض
إلا نحن نغتال القصيدة؟
بلقيس
كانت أجمل الكلمات في تاريخ بابل
بلقيس
كانت أطول النخلات في أرض العراق
كانت إذا تمشي
ترافقها طواويس
وتتبعها أيائل
بلقيس يا وجعي
يا وجع القصيدة حين تلامسها الأنامل
هل يا ترى
من بعد شعرك سوف ترتفع السنابل؟
يا نينوى الخضراء
يا أمواج دجلة
تلبس في الربيع بساقها
أحلى الخلاخل..
قتلوك يا بلقيس
أيه أمة عربية
تلك التي
قتلتك بلقيس
وليس للحب في هذه الدنيا نهاية، رحم الله نزار وبلقيس وأدخلهما جنته الواسعة.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print

إقرأ أيضامقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تابعونا على فيس بوك

مقالات