
تشكل إزالة قانون قيصر نقطة تحول حاسمة في مسار الاقتصاد السوري، وخطوة جوهرية باتجاه إعادة بناء الدولة بعد سنوات من العقوبات التي كبّلت مفاصلها المالية والإنتاجية، وبعد أكثر من عقد من القيود الاقتصادية، تبدو البلاد اليوم أمام فرصة حقيقية لاستعادة حركتها الاستثمارية، وعودة اندماجها في النظام المالي العالمي.
يؤكدالخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله أوبان، أن قانون قيصر الذي صدر عام 2019 تحت اسم قانون حماية المدنيين في سوريا، كان من أقسى العقوبات المفروضة على البلاد، إذ استهدف قطاعات الطاقة والبناء والتمويل، وأدى إلى شلل شبه كامل في القطاع المصرفي السوري.
ويشير أوبان إلى أن القانون عزل المصارف السورية عن النظام المالي العالمي، ما أعاق التحويلات والمعاملات الدولية، وأثر بشكل مباشر على تدفق السلع الأساسية والأدوية، ما زاد من معاناة المواطنين وأثّر سلباً على الدورة الاقتصادية الوطنية.
نجاح الدبلوماسية السورية في رفع العقوبات
لم يكن طريق إزالة قانون قيصر مفروشاً بالورود، فقد شهد نقاشات حادة داخل الأوساط السياسية الأمريكية بين الجمهوريين والديمقراطيين حول جدوى استمرار العقوبات، ومع ذلك، تمكنت الدبلوماسية السورية، عبر تحركات مدروسة واتصالات فاعلة، من تحويل الملف من مشروع ضغط سياسي إلى قرار قابل للتنفيذ.
وأوضح أوبان أن القيادة السورية استطاعت إقناع الأطراف الدولية، بما فيها واشنطن، بأن استمرار العقوبات يضر بالشعب السوري ويعيق جهود الاستقرار الإقليمي، مؤكداً أن دمشق أبرزت مصالح مشتركة مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن في المنطقة.
انعكاسات إزالة قانون قيصر على الاقتصاد السوري
يشكّل رفع العقوبات الأمريكية تحولاً اقتصادياً كبيراً، خصوصاً على صعيد القطاع المصرفي والتحويلات الخارجية، فمع عودة إمكانية الارتباط بشبكة سويفت العالمية، يُتوقّع أن تشهد التحويلات المالية من المغتربين السوريين زيادة واضحة، إلى جانب عودة رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية.
ويرى أوبان أن هذا الانفتاح المالي سيمنح دفعة قوية لخطط إعادة الإعمار التي تستعد البلاد لإطلاقها في مجالات الطاقة والنقل والإسكان والبنى التحتية، كما سيسمح بمشاركة الشركات الدولية والإقليمية – وحتى الأمريكية منها – في مشاريع إعادة الإعمار، ضمن شراكات اقتصادية تحقق المنفعة المتبادلة وتعيد الثقة ببيئة الاستثمار في سوريا.
زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن.. لحظة فارقة
تُعدّ زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن تطوراً استراتيجياً مهماً في العلاقات الدولية، خاصة بعد نجاحه في تغيير موقف رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي، براين ماست، الذي كان أبرز المعارضين لإلغاء قانون قيصر.
وأكد أوبان أن الدبلوماسية الواقعية التي يتبعها الرئيس الشرع أثبتت فعاليتها في التعامل مع موازين القوى الدولية، مستندةً إلى رؤية تجمع بين السياسة والاقتصاد، هدفها محاربة التطرف وترسيخ الاستقرار في الشرق الأوسط.
سوريا.. مفتاح الاستقرار الإقليمي
ويُجمع الخبراء على أن استقرار سوريا يمثل حجر الأساس لاستقرار المنطقة بأكملها، فرفع العقوبات وإعادة العلاقات الاقتصادية مع العالم يشكّلان فرصة تاريخية لإنهاء الجمود الاقتصادي وبدء مرحلة جديدة من النمو والإعمار والتعاون الدولي.
وهكذا، تتحول إزالة قانون قيصر من إجراء سياسي إلى محرك اقتصادي ودبلوماسي يعيد لسوريا مكانتها في الشرق الأوسط، ويفتح أمامها طريق الانتعاش المالي والاستقرار المستدام.
الحرية







