سورية من الدول الرئيسية المنتجة لزيت الزيتون عالمياً، وقد شهدت العقود الأخيرة تنامياً كبيراً في أعداد الأشجار، حتى في المحافظات التي لم تكن معهودة فيها زراعة شجرة الزيتون، ما جعل سورية تحتل المرتبة الرابعة عالمياً، إلا أن الشجرة القديمة في مناطق الزراعة الأولى (المناطق الساحلية) تشهد حالة المعاومة الموسمية في الإنتاج، منذ عشرات السنين، وتفاقمت هذه المعاومة حتى باتت مئات آلاف الأشجار شبه عديمة الإثمار منذ سنوات، وقد عزا المهندسون الزراعيون ذلك إلى مرض عين الطاووس، الذي أصاب أشجار الزيتون في المناطق المنخفضة، ومن ثم بدأ يظهر في سفوح الجبال، ما تسبّب في إضعاف الإنتاج قياساً إلى ما كان وما يجب أن يكون عليه، ولم ينجح المزارعون وفنيو وزارة الزراعة في مكافحة هذا المرض، ما دفع بعضهم إلى قلع أشجار الزيتون واستبدالها بزراعات أخرى حقلية أو شجرية، ولكن الأهمية الاقتصادية لشجرة الزيتون، جعلت من المتوجب أن تجد من يهتم بها بما يتناسب مع أهميتها.
سبق أن استعرض الكثير من الاقتصاديين والإعلاميين والباحثين والمزارعين، والعديد من المعنيين في الجهات الرسمية، الكثير من مشكلات شجرة الزيتون، واقترحوا العديد من الحلول، لكن ما من علاج أفضى إلى حُسْنِ معالجة، ولا من دواء استطاع القضاء على الدَّاء، إلا أن ذلك لم يُثْنِ عزم الجميع عن البحث عن حلول لمعالجة المشكلة، إلى أن اكتشف بعض مزارعي الزيتون في طرطوس أصنافاً موجودة ضمن حقولهم تتحمّل المرض، وتتميَّز بإنتاج جيد، فاندفعوا ذاتياً لاعتمادها في تطعيم بعض الأشجار المريضة، ولاحقاً تبيَّن لهم جودة موسم الأشجار التي تم تطعيمها، وانتشر الخبر، ما دفع العديد من المزارعين، إلى اتخاذ الإجراء نفسه، ومن بينهم مهندسون زراعيون يعملون في الإرشاديات الزراعية، وبعد أن تلمّسوا النجاح المأمول، أعلموا مديريتهم التي تأكدت بدورها من ذلك، فأعلمت الوزارة بما تبيَّن لها بهذا الخصوص، ما دفع المعنيين في وزارة الزراعة إلى أن يتأكدوا ميدانياً من النتيجة، ومن ثم وجَّهوا بالعمل على اعتماد نشر الأصناف الجيدة، عبر تطعيم أشجار الأصناف الأخرى منها، واستناداً إلى قرار وزاري بهذا الخصوص، شكلت مديرية زراعة طرطوس لجنة أُوكِلت إليها دراسة الأشجار الموجودة من الأصناف المتحمّلة للمرض، والأشجار التي تم تطعيمها منها، والعمل على تأمين أقلام تطعيم موثوقة، ومن ثم تطعيم أشجار الأمَّات في المراكز الزراعية التابعة لمديرية زراعة طرطوس، واختيار تطعيم مواقع جديدة في العديد من حقول المزارعين، ضمن عشرات القرى في كل وحدة إرشادية، وأيضاً تأمين عُقّل غضَّة، لغاية توليد غراس جديدة في المشاتل الزراعية الزجاجية، ومتابعة ذلك في السنوات القادمة، كما أوعزت بضرورة تنفيذ العديد من الأنشطة الإرشادية المهمة لتوعية المزارعين حول أهمية تطعيم أشجارهم المصابة بأصناف مقاومة للمرض، واعتماد الغراس الجديدة التي سيتم إنتاجها لاحقاً.
لقد تريّثت وزارة الزراعة ملياً في التشخيص والتحليل اللذين يسبقان وصف العلاج والمعالجة، وحبذا ألا يغيب عن أنظار الجميع (مزارعين وفنيي وزارة زراعة) أن معالجة المرض لا تتم عبر التطعيم فقط، لأن كثيراً من الأشجار القديمة متخشِّب الأغصان، ومن الصعوبة تطعيمها، وبعض ما يمكن تطعيمه منها، ربما لا يعطي نموّاً كافياً، لأن التربة منهكة، وكثير من الجذور متعفن، ما يجعل تجديد الغراس أحد العلاجات التي لا بد منها، على أن يكون التجديد مسبوقاً ومصحوباً باستصلاح الأرض، وتجديد تربتها المنهكة، واعتماد الغراس الجديدة المعدّة من الأنواع المتحمِّلة للمرض، بعد التأكد من جدية وصدقية هذا الإعداد، لأن واقع الحال أظهر أن كثيراً من الغراس التي تمت زراعتها خلال العقود الماضية لم تكن مدروسة النَّوع، كما كان يتوقَّع المزارعون، ومن المؤكد أن معالجة واقع شجرة الزيتون بالشكل المطروح، وما قد يستجدّ بهذا الشأن، يتطلب الحضور الفعلي والميداني المتتابع لفنيي وزارة الزراعة على اختلاف توزعهم في مديرياتها ودوائرها، بغية تحفيز المزارعين الذين يقدّرون أهمية هذه الشجرة، ما يؤسس للحفاظ على مرتبة سورية المتقدمة في زراعتها وإنتاجها، وما يدعو للسرور أيضاً أن ذلك يتواكب مع جهود وزارة الزراعة الحثيثة، لأن يكون زيت الزيتون السوري منتجاً عضوياً مرغوباً في السوق العالمية، عبر اجتناب استخدام الأسمدة الكيماوية، والمبيدات الحشرية.
هذا المقال منشور في صحيفة البعث العدد / 15329 / ليوم الجمعة 5 / 6 / 2015
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية