كثيرون هم الذين يرون أن مسؤولية النجاح أو الفشل في الإدارات تنحصر في من تُوكَلُ لهم المهام الكبرى، ويرون كل النجاح الذي تحققه الإدارة يعود لشخص المسؤول الأكبر فيمدحون ويثنون ويكافئون، أو يحمِّلونه ما يحصل من قصور وفشل، فيلومون ويؤنبون ويقترحون العزل أو يعزلون، ويغفلون عن دور الذي تشكله الشريحة الأكبر في كل إدارة، فما من مكلف بإدارة كبرى أو صغرى إلا وحوله آحاد أو عشرات من أصحاب المهام الوسطى، يشكلون الأعصاب والأوردة الرئيسية المحركة لعمله، وحولهم عشرات أو مئات من أصحاب المهام الصغرى الذين هم بمثابة الشرايين، وليس بمستطاع أي رأس إدارة عليا إنجاز المهام المنوطة بإدارته إلا من خلال قيام كل عامل من عمال إدارته بالمهام الملقاة على عاتقه، خاصة من هم مكلّفين بالإدارات الوسطى والمهام المفصلية، فحُسْنِ أداء أي عامل يساهم في حسن مجمل الأداء، والعكس يحصل في حال قصور أو سوء أداء، وأيضاً ليس بمقدور رأس الإدارة الإساءة، ما لم يجد تعاوناً معه أو تغاضياً أو جبناً ممن هم حوله، خاصة من أصحاب المهام الوسطى والمفصلية، وكذا الحال بالنسبة لأي قصور أو تقصير يظهر منه.
إن مجمل أداء العاملين في كل إدارة يشكل كلاً متكاملاً، ويرتبط ارتباطاً كبيراً بدور الإدارة الأعلى التي تفسح “أو لا تتيح” مجالاً لذوي الأداء الحسن “أو السيئ”، وأيضاً يرتبط بدور العاملين – على تنوع وتعدد مهامهم- الذين قد يستجيبوا أو يرفضوا الالتزام بتوجيهات الإدارة الجيدة “أو السيئة”، ويعملون– فرادى ومجتمعين- لتحقيق ذلك، فنسبة الجودة في أداء كل إدارة يتوقف على نسبة جودة مجمل العاملين، وكذا الحال فيما يخص نسبة ضعف أو سوء الأداء عند حدوثه.
كل ذلك يستوجب أن يكون مأخوذاً بعين الاعتبار أن نجاح الإدارات في أداء مهامها، لم ولن يتم عبر إيكال مسؤولية هذه الإدارة “أو هذه المهمة” لهذا المسؤول أو ذاك، ما لم يكون ذلك مسبوقاً بأن يكون المكلف بمهمة على بيّنة من أمره بما هو مطلوب منه أداؤه عبر توليه المهمة، في ضوء ما تحدده له الجهة المكلفة، وأن يقرر هو استعداده لتبوؤ المهمة، وأن يحدد مبدئياً ما هو بمستطاعه تحقيقه خلال فترات زمنية متعاقبة، ومن ثم يبيّن تتابعياً ما حققه خلال كل فترة زمنية، موضحاً الصعوبات التي ذللها حتى حقق “أو قارب” ما خطط لتحقيقه، والصعوبات التي كانت مانعاً للتحقيق الكلي أو الجزئي في هذا الجانب أو ذاك، على أن يقترن ذلك بملتقيات النقد الذاتي، والمساءلة التي يجب أن يخضع لها المسؤول، ما كان منها مترافقاً مع أداء المسؤولية أو عقب الانفكاك منها، لا أن يكون إيكال المهمة بقرار دون تدليل مفصل على الأعمال العاجلة والآجلة المطلوب تنفيذها، وأقرب ما يكون لأهداف مبهمة أو لغايات نفعية، وأن تنهى المهمة بقرار دون ثناء على حسن التنفيذ، أو افتقاد المساءلة عن تعليل ما لم ينفذ، والمحاسبة في حال عدم قبول التعليل.
يبقى من الضروري الأخذ بعين الاعتبار أن للتشريعات العليا المعمول بها، ومعها التشريعات الدنيا التي تصدر داخل كل إدارة، دور أساس في أداء مجمل عاملي الإدارة، ما يستوجب عدم إغفال مسؤولية المشرّع الكبير والصغير، في حسن أو سوء أداء العاملين، فمكافأة من نفّذ جيداً أو مساءلة من نفذ سلباً، تستوجب أيضاً مكافأة من شرّع حسَنًاً، ومساءلة من شرَّع سيئاً، فمزيد من العمل على تحقيق الترابط بين المسؤول الكفء والمسؤولية المحددة والمطلوب ممارستها من المكلف بها، واعتماد الإيضاحات المسبقة المبيّنة لطبيعة المهمة، ومن ثم اعتماد المساءلة المترافقة بأداء المهمة، واللاحقة عقب انتهائها، فيما يخص كل عامل- وخاصة أصحاب المهام العليا- هو المدخل الأساس لتحقيق الكثير مما هو منشود وطنياً، أما في حال استمر إبقاء أصحاب المهام– على تعددها وتنوعها- كل في مكانه لفترة طويلة، أو تم تغيير بعضهم أو كلهم، دون أن يسـأل أحد عما فعل، ويكافأ ويعاقب كل في ضوء كمية ونوعية عمله، ستبقى الطامة الكبرى قائمة، ولكن الطامة الكبرى والأخطر تحصل عندما يتم التبديل بالأقل كفاءة أو نزاهة، كما يحصل للعديد من المهام، في العديد من الإدارات.
البعث العدد / 15433 تاريخ / 26 / 6 / 5015