بانوراما طرطوس- عبد العزيز محسن:
أغلفت وزارة الصحة مؤخراً أحد المصانع حديثة العهد التي تنتج أحد الغازات الطبية المستخدمة في عمليات التخدير المرافقة للعمليات الجراحية بعد ثبوت مخالفته للمواصفات والشروط المعتمدة من الوزارة، وبعد شكوك عن مسؤولية الغاز بالتسبب بوفيات في مشفى بانياس الوطني والمشفى العسكري بطرطوس..
هذه الحالة وهذا الإغلاق يشكل امتداداً للفوضى التي تعصف في القطاع الطبي وبالتحديد في الصناعات الدوائية بعد سلسلة طويلة من “الترقيعات” التي تقوم بها وزارة الصحة عبر اصدارها تعاميم متلاحقة لسحب بعض الأصناف والمستحضرات الدوائية من الصيدليات والدعوة لعدم تداولها أو استخدامها لكونها مخافة للمواصفات والتي قد تشكل خطراً على صحة المريض..
المثل الذي يقول “أن تأتي متأخراً خيراً من أن لا تأتي أبداً” لا ينطبق على هذه الحالة ولا يصح التشبيه.. فمن يضمن ان تستجيب الصيدليات ومن يضمن ألا يكون قد تم تداول كميات من الأدوية وأصبحت من مقتنيات الأسرة السورية وتم استعمالها.. ورغم أن الوزارة تؤكد أن الأدوية المسحوبة لا تشكل خطراً على صحة المواطن إلا أن هذا التبرير لا يقنع احداً، ويترك علامات استفهام كبيرة، وإلا لماذا تلجأ إلى خلق هذا الجو “المكهرب” وتدعو للسحب وتحذر من التداول؟! وإذا فعلاً لا تشكل خطراً فلماذا اصدرت قراراً بالمنع أصلاً… هي مخالفة قانونياً بغض النظر عن اي تبريرات أخرى، والسؤال الأكبر والاهم: ماهي الاجراءات والتدابير التي اتخذتها الوزارة بحق معامل الأدوية المخالفة.. فلم نسمع عن حالات اغلاق كما حدث في حالة معمل الغاز بطرطوس ومن يدري فقد تكون هناك حالات تسمم ووفيات قد حدثت وتم التعتيم عليها أو تم تجاهلها..
إن مسألة المواصفة والالتزام بمعايير الجودة هي خط أحمر كما هو معروف، وانطلاقاً من هذا المبدأ لا ندري كيف يمكن لمستحضر أو صنف ما أن يصل إلى الأسواق وإلى المواطن المريض بدون حصوله على الموافقة من الجهات المعنية في الوزارة؟ فهل كان يحدث ذلك في السابق دون تدقيق او محاسبة وبدون أن يشعر به أحد؟ أم ان الأمر بدأ يحدث مؤخراً فقط.. لا ندري.
أخيراً لا أدري مدى صحة كلام أحد العاملين في القطاع الدوائي الذي أكد لي أن وزارة الصحة تراعي شركات الادوية إلى درجة كبيرة، وتترك لهم مساحات وهوامش مريحة للالتزام بالمواصفات والجودة كي تبقى منتجاتهم موجودة في الأسواق وبالأسعار التي تحددها الوزارة بحيث تصبح المعادلة “الجودة على قدر السعر” ورغم أن المعادلة هي منطقية ولكنها في هذه الحالة تشكل كارثة حقيقية لأن السعر هنا محدد مركزياً وليس خاضعاً للتكلفة الفعلية للصنف الدوائي الأمر الذي يجعل الشركات تخفض نسبة المادة الفعالة للتناسب مع السعر المحدد أصلاً من قبل الوزارة.. وفي كل الأحوال هذا يؤكد الخلل الكبير الذي تعاني منه الصناعة الدوائية نتيجة الحرب الكونية على سورية ، وبسبب ايضا التخبط والفوضى الذي تتسبب به وتغض النظر عنه وزارة الصحة تحت مبررات غير منطقية على الإطلاق..