بانوراما طرطوس- عبد العزيز محسن:
تقديم..
رغم أني لست من المتخصصين بمجال الفن والثقافة.. إلا انني أجد نفسي منجذباً ومتحمساً لمتابعة هذا النوع من الفنون الراقية والمتميزة.. فالنحت على الحجر أو على الخشب يستحوذ على اهتمام متزايد ومتابعة على نطاق واسع في سورية والعالم.. إنه إبداع ما بعده إبداع وغنى وتنوع بلا حدود.. فالمطرقة والإزميل والمنشار هي أدوات بسيطة ولكنها تستطيع أن تكون أدوات سحرية عندما تكون بيد فنان مبدع وبين أحضان طبيعة ساحرة.. وهذا ما يحدث اليوم ضمن ملتقى النحت الدائم طرطوس في بلدة النقيب والتي تقيم هذا العام ملتقاها النحتي للعام الثاني على التوالي ولكن هذه المرة كان الخشب بدلاً من الحجر وكان العنوان من وحي الملحمة التدمرية التي أعاد صياغتها جيشنا البطل ويعيد الإنسان السوري المبدع والمتميز بناء ما تهدم بكل براعة واقتدار..
“تدمر بوابة الشمس” هو شعار ملتقى هذا العام وهو يحقق يوماً بعد يوم ودورة بعد دورة المزيد من النجاح والتألق بفضل هذا التنظيم الجيد وبفضل هذا الحب وهذا التناغم ما بين اركان الفن وادواته ومواضيعه..
التقرير التالي يلقي الضوء على هذا الملتقى بعد مضي اسبوع واحد على بدء فعالياته:
متابعة..
يتابع ملتقى النحت على الخشب أعماله التي تقام ضمن فعاليات ملتقى النحت الدائم طرطوس ام الشهداء في بلدة النقيب.. وتشهد أيام الملتقى وأمسياته العديد من الأنشطة والفعاليات الفنية والثقافية والاجتماعية، كما يتم تسجيل حركة نشطة للزوار والمهتمين ومن بينها زيارات هامة لعدد من الوفود والشخصيات وكذلك من الفنانين والمحبين لهذا الفن الراقي..
وفي جولة لنا في الملتقى التقينا مع عدد من المشاركين والزوار:
الفنان النحات علي بهاء معلا- طرطوس..
الفنان النحات علي بهاء معلا أكد أن مشاركته في الملتقى هي للسنة الثانية على التوالي.. وهي تعني له هذا العام الكثير سواء على صعيد المشاركة في موضوع الملتقى الملفت للانتباه أو كأستمرارية للنجاح الذي حققه الملتقى في العام الماضي.. وأضاف الفنان معلا أن موضوع الملتقى وعنوانه “تدمر بوابة الشمس” يواكب المرحلة التي نمر بها ويواكب ويحاكي ما تعرضت له تدمر من تخريب على أيدي إرهابيي العصر، ولكن وكما هي دائما تنهض تدمر وتعود زنوبيا ملكة للحضارة وللحياة.. وحول العمل الذي يقوم بإنجازه أكد الفنان علي معلا أن العمل هو لهذه الملكة العظيمة زنوبيا ولكن بأسلوب مختلف عما هو متداول فالتمثال الوحيد الذي يمثل زنوبيا هو للنحاتة العالمية هارييت هوسمر عام 1859 ويتم تصويرها دائما كملكة مكبلة بالسلاسل والجنزير وزنوبي، وأنا هنا سأقوم بتحرير زنوبيا من قيدها ومن سلاسلها واطلق العنان لحريتها ولأعمالها وانجازاتها التي وصلت إلى أبعد نقطة ونافست امبراطوريات العالم أنداك.. لذلك والحديث للفنان معلا انتظروا نهاية العمل لتشاهدوا زنوبيا الملكة الحقيقية وليست زنوبيا المكبلة والمقيدة وهذا من حقها علينا..
النحات زهير خليفة-اللاذقية..
الفنان النحات زهير خليفة من محافظة اللاذقية اكد ان هذا الملتقى هو ملتقى تطوعي وانا احببت ان اعمل شيء بطريقتي وبإمكاناتي الفنية حيث سأتعامل مع موضوع الملتقى وتدمر كبوابة للشمس والحياة وبأسلوب خاص ينطلق من خصوصية هذا الموضوع ومن اهميتها التي توازي اهمية اوغاريت وافاميا وكل حبة تراب من هذا البلد.. وأضاف: أن ما حدث في تدمر والطعنة التي تعرضت لها هذه المدينة والحملة الشرسة والتخريب الذي تعرضت له من قوى الارهاب ووسط هذا الإهمال الدولي هو امر مزعج كثيرا وبالتالي من الطبيعي ان ينعكس ذلك على العمل الذي سينجزه حيث سيركز على الطعنة التي تعرضت لها المدينة على الكتلة الخشبية التي ينجزها وهذه رسالة الى العالم الذي يقف متفرجاً على تدمر وهي تتألم بعد تعرضها لتلك الطعنة.. ولكن ورغم هذه الطعنة ستعود تدمر وقد عادت لتكون كسورية الشوكة بحلق كل من يتربص بها شراً..
النحات حسن عزيز محمد..
الفنان النحات حسن عزيز محمد اكد انه يتعامل في الملتقى مع جزع الشجرة بعلاقة تأثير متبادل وعلاقة تفاعلية فهي ستؤثر به وهو سيؤثر بها.. مضيفاً أن كل فنان سيحاول ان يستخدم اسلوبه وفكرته بالتعامل مع الخشب وانجاز
قطعة فنية هي حصيلة لأفكاره ولعمله طيلة ايام الملتقى..وأضاف أنه سيقوم بتنفيذ وتطبيق أفكاره وتحويلها الى واقع فني ملموس يحاكي موضوع الملتقى ويلامس هذه الطبيعة الجميلة في النقيب.. فسورية هي مهد حضارات العالم وفيها جميع المقومات كي تستمر منارة للعالم ومهما فعلوا وحاولوا تشويه هذه الحضارة والرموز التي تشتهر بها وتخريب ما تم انجازه فلن ينجحوا ونحن منتصرون وهذه رسالة الى العالم بأننا سنعيد بناء ما تهدم حجرا فوق حجر وكل في موقعه ومن دوره في هذا البلد.. فنحن الفنانين سنستمر في رسالتنا ولن نتوقف بل سنزداد اصرارا مهما فعلوا.. فآلهة المحبة والسلام لا بد ستنتصر على آلهة الشر والحرب وهذه من ضمن رسالتنا في هذا الملتقى..
النحاتة علا هلال..
الفنانة علا هلال أكدت أنها تعالج موضوعها في الملتقى بشكل رمزي وبصورة غير مباشرة حيث استوحت الفكرة بالمزج ما بيم طرطوس ام الشهداء وتمثلها سمكة توحي بالولادة والتجدد، وبين سمكة أخرى تمثل الاشلاء والجرح النازف منها ويعلو هاتين السمكتين كرة هي تعبير ورمز عن الشمس واستمرارية الحياة والتي تعبر عنها تدمر موضوع الملتقى حيث ستغطي الكرة بأكسسوارات فضية ونحاسية من وحي المدينة التاريخية وحضارتها.. وأشارت الفنانة علا أنها تميل دائما إلى الطرح غير المباشر وتترك المتلقي يفسر الموضوع ويقرأه كما يراه وحين لا يجد تفسيراً أو فهماً له فهي ترغب أن يطرح عليها الأسئلة وهي تستمتع بالأسئلة وبالإجابة كونها تشكل حواراً من نوعاً آخر وهو ما يزيد قيمة على العمل الفني..
النحات علي رجب حسين..
الفنان النحات علي حسين أكد بدوره أن الملتقى رغم دخوله العام الثاني وتحقيقه هذه المكانة الهامة لا يزال في مرحلة التأسيس وهناك الكثير من الفعاليات والأنشطة ستقام في الدورات القادة ليعزز موقعه ضمن المحافظة وسورية بشكل عام واضاف الفنان علي حسين أن الفنانين حين ينطلقون وبشكل طوعي للمشاركة انما ينطلقون باندفاع ذاتي وهم يعلمون أن ذلك هو رسالة بحد ذاتها.. وفي تعليق له على الملتقى قال الفنان علي إن للخشب حكاياته ورواياته والنحات مسؤوليته في إعادة الحياة بطعم آخر .. باحثاً في أسراره وهو يترجم أنفاس تلك الجذوع التي بين يديه .. مفككاً شيفرا الحقب الزمنية من عواصف وحكايا العاشقين والمارة ناقلاً الظلال والخضار والشموخ والتحدي عبر الأزاميل إلى القلوب بعمل نحتي مشبع بالفكرة والموضوع.. ومن هنا علينا أن نكون على قدر تلك المسؤولية في الحفاظ على الذائقة البصرية وإحترام جمهورنا المحب والمتتبع وأن يكون العمل الفني على مستوى العنوان العريض ..
النحات عيسى سلامة..
الفنان عيسى سلامة أكد أن عمله يحمل عنوان عريض هو الانتصار بكل ما يحمله من معاني وقيم فهو تجسيد لفكرة دحر الأعداء وهو من وحي انتصارات جيشنا في تدمر مع اسقاطات تاريخية فالعمل هو تعبيري مبسط لواقع ويجسد فكرة شموخ الفارس ووجود الرموز التدمرية والرداء التدمري والنحت التدمري المعروف وكل ذلك وفق صياغة للواقع بشكل مبسط..
ويعمل الفنان عيسى سلامة في الكثير من أعماله بحسب الناقد والكاتب الصحفي علي الراعي على استغلال الخامة بما توفره من جماليات، فيقوم على سبيل المثال بدراسة طبيعة الخشب، مستخدماً الفراغات التي فيه، لتبقى من أصل اللوحة وأرضيتها، حيث يفرد الوجوه في اتجاه تصاعدي يتلوى ملامساً بعضها ومنطلقاً في سماء اللوحة عبر الحركة المتوجهة إلى نقطة محددة يؤدي الفراغ فيها دوراً كبيراً تسامياً يتحد في رحابة السماء وأثيريتها..
الفنانة شيرين عبدو..
الفنانة التشكيلية شيرين عبدو أكدت أن الملتقى هو مكان للإبداع والتميز فالفنان حين تتاح له هذه الفرصة لا بد أن يبدع ويقدم ما يكتنزه من أفكار وابداع على قطعة القماش أو على الحجر او على الخشب وهي رسالة يريد ان يوصلها الفنان حين تتاح له الفرصة.. وبالتالي من المهم دائما ان تكون هناك ملتقيات من مثل هذا النوع كي تتلاقى الأفكار وتتبادل التجارب وتكتسب الخبرات بين الفنانين..
وأضافت الفنانة شيرين انها تحب تبتعد عن مناظر الحرب والدم والدمار وان تتوجه نحو الفرح ومحاولة استغلال هذه الاجواء المريحة وهذه الطبيعة الجميلة لإنجاز اعمال وابداع سواء لمنظر طبيعي او حتى برسم الانثى والتي هي ام الشهيد او اخت الشهيد وهي بحد ذاتها توحي بالفرح رغم ما تحتويه من غصة ومن حزن ولكن لا بد من مساحات أخرى للفرح وللحياة…
الفنانة حنان أبو فخر-السويداء..
الفنانة الرسامة حنان أبو فخر من محافظة السويداء أوضحت أن مشاركتها في الملتقى جاءت ضمن حبها للموضوع الذي يحمله وعن تدمر وما تمثله من معنى وقيمة في هذه الظروف التي يمر بها البلد مضيفة أن تنوع المشاركين هو غنى وهو تنوع للملتقى وللفن والرسالة التي يحملها… وحول العمل التي تنجزه اكدت الفنانة حنان ابو فخر انها تجسد الملكة زنوبيا بشكل تعبيري مع كولاج يربط الحضارة السورية العريقة مع عصر الحداثة الذي نحن فيه حيث استخدمت قصاصات من ورق الجرائد في لوحتها كرمز لأبجدية الحضارة الحديثة وربطها مع ابجدية تدمر القديمة كامتداد فكري في الحضارة السورية كلها….
وأشار الفنانة أبو فخر إلى أن أجواء الملتقى ممتازة وتوحي بالكثير للفنانين المشاركين سواء الطبيعة الجميلة أو النواحي المتعلقة بالتنظيم والاهتمام بمتطلبات المشاركين إضافة إلى الغنى والتنوع الذي هو بحد ذاته مبعث للتفاؤل والمحبة بين الفنانين المشاركين وما ينتج عن ذلك من ابداع وتلاقي لأصحاب الفكر والعلم والفن..
الفنانة مجد مكارم- السويداء..
بدورها الفنانة مجد مكارم من السويداء ايضا اكدت أنها تعاملت مع الموضوع الذي يطرحه الملتقى بإطار تعبيري كأنثى كون تدمر هي بوابة الشمس حيث استخدمت نبتة دوار الشمس التي تستدير باتجاه الأنثى التي تمثلها زنوبيا كدليل على اعطاء امل ودليل على الحضارة واستمراريتها رغم الإرهاب.. فالتأثر بالواقع برأي الفنانة مكارم وطرح همومنا وهواجسنا هو رسالة وهو توثيق للحالة العامة والخاصة بغض النظر عن طريقة التعبير وايصال الرسالة فالتوثيق هنا هو توثيق وجداني فنحن نخاطب المشاعر للمتلقي من خلال هذه اللوحات وهذه المواضيع.. واكدت الفنانة مجد ان هناك حاجة ماسة للتواصل في ظل هذه الأزمة وهذه الحرب وبالتالي اقامة الملتقى هو خطوة متقدمة جدا ومفيدة على طريق احياء الحياة التي كنا نعيشها قبل الازمة وما كنا نتمتع به من محبة وتواصل وابداع في مختلف الجوانب..
الفنانة وفاء جديد- اللاذقية..
اما الفنانة وفاء جديد فقد اختارت المواضيع الحرة ولكن من وحي موضوع الملتقى حيث تجسد في لوحتها المزج ما بين عدة ادوات ومواضيع حيث تركز على الوجوه النسائية مع تجسيد الشكل العام التعبيري حيث تحاول المزج ما بين خبرتها في اليوغا مع الفن ومع الفكر والروح وخلق حالة من التوازن بين الخير والشر بالاعتماد على الخشب وما يحمله هذا النوع من تنوع وغنى فالخشب بالنسبة لها هو ألوان طبيعية وايضا رائحة مميزة فعندما تفتح جزع شجرة تشعر بالانتعاش من هذه الرائحة المميزة وكذلك يستهويها اللون الداخلي ودرجات تباينه وهذا بحد ذاته يستلهم منه الفنان الكثير من الإبداع.. واشارت بأن الملتقى هو في غاية الاهمية كونه التقاء بين الفنانين من معظم المحافظات في مكان واحد تجمعهم الرؤية الواحدة والفن الجميل والابداع الذي يولد من وحي الطبيعة الجميلة والموضوع الذي يعالجه الملتقى وسط ارتياح وراحة تامة للفنانين المشاركين..
الإعلامي والفنان علي نفنوف..
الإعلامي والفنان التشكيلي علي نفنوف قال من بنى تدمر هو الانسان السوري الفنان الخلاق المبدع ومن سيبنيها من جديد بعد أن حررها جيشنا البطل من الارهاب هو الفنان السوري الفنان المتجدد الدائم الخلق والعطاء .. وسورية كتدمر قطعة من ابداع الخالق باقية وستبقى الى الأبد بهمة ابنائها الشرفاء المبدعين الخلاقين..
صديق الملتقى الفنان جورج شمعون..
ومن زوار الملتقى ألتقينا مع الفنان جورج شمعون وهو من أصدقاء الملتقى والذي وجه الشكر لإدارة الملتقى ولجميع الفنانين المشاركين فالمشاركة وإقامة الملتقى في هذه الظروف برأيه لها دلالات وفوائد كثيرة مشيراً ايضا الى الاختيار الموفق لموضوع الملتقى الذي جاء من وحي الحدث.. فتدمر هي مدينة الأعجوبة وهي مأخوذة من (تدموريتو) وهي بوابة للشمس وبوابة للحياة وانطلاقة الحياة.. فالباب والقوس التدمري العريق يوحي بالدخول نحو الشمس ونحو الحياة.. وهذا بمجله يدل على منتهى الرقي للجنة السورية وهي الجنة الأرقى في التاريخ فهي اقدم سكن وفيها اقدم سكان وأعرق حضارة على مدى القرون وفي تعاقب الأجيال.. واشار الفنان جورج عن معنى المشاركة الطوعية في الملتقيات وهي تنطلق من ارادة واندفاع ذاتي ومن وفاء واخلاق بالدرجة الأولى وبعيداً عن اي اعتبار آخر..
وتحدث الفنان جورج عن مشروعه الجديد والذي اطلق عليه “المشروع السوري” والذي يتمحور حول الاستثمار الفني لأثار سورية من خلال 12 فنانة سورية وقد تعمد ان يكون محور العمل والمشاركات فيه من النساء نظرا لما تتمتع به المرأة من قيم وانسانية ومن لغة حضارية راقية ورقيقة..
إدارة الملتقى.. المهندس ظهير سرور..
المحطة الأخيرة في جولتنا في الملتقى كانت مع المهندس ظهير سرور رئيس مجلس بلدة النقيب والذي أكد أن الملتقى يتابع فعالياته كما هو مخطط له حيث تقام العديد من الأنشطة الفنية الموازية ومن بينها أنشطة للفن التشكيلي عبر استضافة فنانين من بعض المحافظات ليرسموا لوحات من وحي الملتقى وموضوعه، وكذلك من وحي الطبيعة بشكل عام، كما يستقبل الملتقى يومياً الزوار من كافة الشرائح والنخب الثقافية ومن عموم المواطنين..
ونوه المهندس سرور الى تنظيم فعالية في غاية الأهمية يوم الأحد القادم تتمثل باستضافة مجموعة من ابناء الشهداء والذي سيرسمون لوحات بإشراف الفنانين الموجودين بالملتقى وسيتم عرض اللوحات والأعمال في نهاية الملتقى ضمن معرض خاص لبيعها وتخصيص ريعها المادي لصالح جرحى الجيش العربي السوري وهي مبادرة رمزية ووطنية تهدف الى التنويه بتكامل الادوار والشعور بمعاناة هؤلاء الأبطال وتشجيع المجتمع لتقديم المزيد من الدعم والرعاية لهذه الشريحة التي قدمت أغلى ما تملك في سبيل تراب الوطن..