لا يزال همّ تحصيل القروض المتعثرة يُثقل كاهل المصارف العامة، لدرجة، إن إداراتها تحاول مساعدة المقترضين المتعثرين على الإيفاء بالتزاماتهم قدر المستطاع، فالمهرب من هذا الملف بات مستحيلاً، ولاسيما بعد فرض إجراءات مشددة، قيدت تحركاتهم.
وبالتوازي مع إجراءات تواصل المعنيين في المصارف العامة مع المقترضين المتعثرين وحثهم على جدولة ديونهم والاستفادة من ميزات القانون /26/ لعام 2015 الخاص بتسوية ديون تلك المصارف، لا يخلو اجتماع للمديرين العامين للمصارف العامة من طرح أفكار ورؤى تساعد على إنهاء ملف التعثر.
وفي هذا السياق، لماذا لا يُقدم مُقترح بإعداد نص تشريعي يوسع الإعفاءات الممنوحة للمقترضين المتعثرين تشجيعاً لهم على تسديد ديونهم، لأن الغرامات والفوائد العقدية التي تتضاعف نتيجة التأخر في التسديد تصل إلى مبالغ تفوق رأسمال الدين، الأمر الذي يدفع الكثير من المقترضين المتعثرين إلى الإحجام عن تسوية ديونهم.
وبمعنى آخر، يمكن تقديم مشروع قانون أو مرسوم يعفي المقترضين المتعثرين من الغرامات كاملة ويخفض نسبة الفائدة العقدية التي تتزايد كلما تأخر المقترض عن تسديد ديونه، وهذا التشريع يمكن أن يكون شبيهاً بنصوص الإعفاءات التي تُمنح لأصحاب الذمم المالية تجاه بعض الجهات العامة كالاتصالات والضرائب والتأمينات الاجتماعية، شريطة أن ينحصر نفاذه بمدة زمنية محددة قد تكون 6 أشهر أو سنة، وخلالها يتقدم المتعثر بطلب لجدولة أو تسوية دينه مستفيداً من الإعفاءات كاملة على أن يلتزم بتسديد رأسمال الدين فقط بأقساط شهرية أو ربعية أو نصف سنوية أو سنوية.
أما بخصوص القانون /26/ والنقاشات التي تُجرى بشأن تعديله بين الفينة والأخرى، فيمكن أن يبقى ساري المفعول ويُطبّق على كل من يُخل بعقد التسوية أو يتأخر عن تسديد أقساطه، مع منح مجالس إدارات المصارف العامة صلاحيات واسعة بقواعد تغيير شروط الدين، وهو المشروع الذي طرحه المصرف المركزي منذ أكثر من عام بهدف مساعدة المقترضين المتعثرين على جدولة ديونهم ومنحهم قروضاً جديدة، تحت ما يسمى تعويم الدين والمدين.
إن مجرد طرح نص تشريعي يمنح إعفاءات موسعة للمقترضين المتعثرين للنقاش والدراسة بين مصرف سورية المركزي وإدارات المصارف العامة قد يكون له أثر بالغ في دفع المتعثرين إلى مراجعة حساباتهم وتسديد ديونهم، ناهيك بأنه سيكون محفزاً لهم للاستفادة من التسهيلات الائتمانية التي تمنحها المصارف العامة والإقلاع مجدداً بنشاطاتهم الاقتصادية أياً كان نوعها.
وتبقى الإشارة إلى أن اجتماعاً جمع مديري المصارف العامة مع مصرف سورية المركزي في الثاني من شباط المنصرم، تمت فيه مناقشة إلغاء العمل بأحكام القانون /26/ أو تعديله، والطلب منهم تقديم المقترحات والآراء في سياق تعديل القانون المذكور أو إلغائه بما يضمن وضع نصوص وأحكام خاصة بقواعد تغيير شروط الدين، ومناقشة تلك المقترحات بما يلبي الغاية المرجوة من تعديل القانون المذكور وهي تسوية ديون المصارف العامة من جهة، ومن جهة أخرى مساعدة المقترضين المتعثرين للحصول على قروض جديدة تسهم في تنشيط الاقتصاد الوطني.
بانوراما طرطوس – تشرين