غلاء “فاحش” ومتصاعد لأسعار الأدوية بات جميع السوريين يلمسونه عند أي مراجعة لصيدلية أو حاجة لدواء، وخاصة في ظل ظروف اقتصادية صعبة، وغياب آلية تسعير واضحة ومحدّدة للدواء، وفقدان بعض الأدوية أو عدم توفرها، ومنها الأدوية المخصّصة للأمراض المزمنة والخطيرة كأمراض القلب، وأدوية السرطانات وغيرها.
جولة غير مبشرة
جولة في صيدليات طرطوس، وحديث مع بعض المرضى والمراجعين، يظهران تبايناً كبيراً في الأسعار، ومزاجية في تأمين علب الدواء، إذ بات صعباً على المرضى تأمين أدويتهم حتى عن طريق الوصفات الطبية، وأغلب الوصفات التي توصف لهم يضطر أصحابها للبحث عن الأدوية اللازمة فيها بعدة صيدليات، ومعظمها غير متوافر، وقليلاً ما يوجد بديل لها، وفي حال وجود البديل، يشكو غالبية المواطنين قلّة الفاعلية الطبية وارتفاع سعره، وضعف مقدرة شرائه. ويتحدث أبو حسين الرجل الذي بلغ الستين هو وزوجته عن ارتفاع خيالي في سعر أدوية القلب التي يحتاجون إليها بطريقة تفوق قدرتهم المادية، ولاسيما أن معاشه لا يتجاوز الـستين ألف ليرة، في حين قفز سعر علبة الدواء التي يحتاجها مؤخراً إلى ما يقارب الـسبعة آلاف ليرة بعد أن كانت بحدود الألف ليرة، مؤكداً أن ذلك يشكّل خطراً بالغاً على صحته وصحة المرضى الذين لا يملكون ثمن أدويتهم في ظل الوضع الاقتصادي والمعيشي الحالي.
مقارنات صادمة!
كذلك تقارن السيدة نادية التي حصلت على وصفة طبية مؤخراً أسعار الدواء الحالية التي دفعتها ثمناً للوصفة بما كانت عليه سابقاً، إذ تتحدث مثلاً عن أدوية السعال وأدوية الأمراض التنفسية التي كانت تشتريها سابقاً بما لا يتجاوز الـ 500 ليرة لكنها الآن تزيد خمسة أضعاف، كذلك بالنسبة لبعض علب الفيتامينات الأساسية والضرورية لبعض المرضى، فمثلاً بالنسبة لدواء الحديد والفوليك الضروري للمرأة الحامل لم يكن يتجاوز ثمنه سابقاً الـ 250 ليرة لكنه أصبح الآن بـ 2500 أي ارتفع عشرة أضعاف. ويشكو بعض المرضى من الطريقة التي يُعدّل فيها حالياً سعر الدواء ويباع على أساسه، فالكثير من الأدوية في الصيدليات مسعرة بأسعار قديمة ومختلفة بفوارق كبيرة عن الأسعار التي تُباع فيها حالياً، وهذا يعني أنها أدوية مخزنة سابقاً ومخبأة، وهو ما يتطلّب تدخل الأجهزة المشرفة على الصيدليات ووزارة الصحة لمراقبتها وتصحيح أسعارها.
عقوبات مفروضة
في المقابل يربط الكثير من الصيادلة الذين تمّ الحديث معهم ارتفاع أسعار الأدوية بالعقوبات الاقتصادية وقانون قيصر، إذ يؤكد الصيدلاني مقداد أن العقوبات منعت دخول المواد الأولية اللازمة لصناعة الدواء، ما أدى إلى ارتفاع ثمنه وفقدان كثير من الأدوية، وخاصة مع موجة فيروس كورونا، مشيراً إلى تراجع الشركات المصنّعة للأدوية عن الإنتاج بكميات قادرة على سدّ حاجة الأسواق. من جهتها تتحدث الصيدلانية “ربى” عن فقدان بعض أنواع الدواء المطلوب في الوصفات الطبية، لكن في المقابل هناك بدائل بمركبات دوائية مماثلة تقوم بتأمينها للمرضى والمراجعين. وأكدت الصيدلانية ضرورة الاهتمام بالقطاع الطبي ودعمه، وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، مشيرة إلى التزامها بالنشرات التي تصدر عن وزارة الصحة ونقابة الصيادلة، لكن الأمر مرتبط كما تقول بالوضع الاقتصادي وتقلبات سعر الصرف. وكانت نقابة الصيادلة أصدرت تعميماً لكافة المستودعات والصيدليات، طالبت فيه بضرورة الالتزام بأسعار الأدوية الجديدة للعموم، وعدم تحميل أدوية على أدوية وبيعها بأسعار مرتفعة، مما يؤدي إلى خلل في أسعار الأدوية واختلاف الأسعار بين صيدلية وأخرى.
“دواك عندي”!
ويبدو أن الفوضى التي طالت سوق الدواء وصيدلياته دفعت بالكثير من المرضى والمحتاجين إلى تأسيس مبادرات فردية لتبادل الدواء مجاناً أو بأسعار تقلّ عن تكاليفه في السوق والصيدليات على مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات الفيس بوك، فمثلاً تقوم مجموعة تحمل اسم “دواك عندي” بتبادل المنشورات التي يتوفر لدى أصحابها أدوية لم يعودوا بحاجتها، لتقديمها وتبادلها مع مرضى آخرين يحتاجونها، مجاناً أو بسعر رمزي يقلّ عن تكاليفها الحقيقية. ويقول مؤسّسو المجموعة إن الفكرة إنسانية بحتة هدفها تبادل فائض الأدوية ولا تتبع لأية جهة، حيث يلتزم الأعضاء فيها بتصوير الأدوية المتوفرة لديهم بشكل واضح مع تاريخ انتهاء الصلاحية، والتنبيه للتعامل بحذر مع الأدوية المعروضة لعدم تحميلهم أية مسؤولية، حيث تمّ إنشاء المجموعة منذ ستة أشهر تقريباً بالتزامن مع ارتفاع أسعار الأدوية، مؤكدين في الوقت نفسه أن مبادرات من هذا النوع من شأنها تخفيف وطأة ارتفاع أسعار الدواء وتأمينه للكثير من المرضى العاجزين عن دفع أسعاره أو الحصول عليه، وخاصة في ظل موجة الغلاء والأمراض المنتشرة مؤخراً.
محمد محمود