لايخفى على السوريين أن الحرب عليهم لم تنته بعد وأن الحصار الذي تفرضه واشنطن على بلدهم هو المرحلة الثانية من الحرب الإرهابية التي شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها وأدواتها من دول وحكومات وتنظيمات إرهابية ضد سورية عام 2011 ومازالت مستمرة حتى اليوم.
تستطيع الإدارة الأميركية أن تدّعي ما تريد حول وجودها الاحتلالي في سورية، وأنّ قاعدتها العسكرية في منطقة التنف على مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية هي لمحاربة تنظيم داعش، وتستطيع أن تزعم أن قواتها المنتشرة في محيط حقول النفط والغاز بمنطقة الجزيرة السورية هي لحمايتها من التنظيم الإرهابي، لكن السوريين ومعهم العديد من دول العالم وشعوبه يدركون بشكل أكيد أن الوجود الأميركي في سورية ليس له مسمى سوى “احتلال” يهدف إلى ممارسة الضغط على الدولة السورية وشعبها ومواصلة الحرب التي بدأتها التنظيمات الإرهابية ضدها لإضعاف الدولة وتفكيك بنيتها خدمة لمشروع السيطرة المطلقة على المنطقة.
العراقيون يعلمون قبل السوريين ما حملته دبابات وطائرات التحالف الأميركي الغربي إلى بلدهم عام 2003 مع وهم الحرية والديمقراطية الذي رفعوه شعاراً لحربهم القاتلة ضد العراق، وهم اليوم ورغم مرور نحو عقدين من الزمن ما يزالون يدفعون الضريبة من دماء أبنائهم ومن شظف العيش وتخلخل بنية الدولة وعدم قدرتها على استعادة قوتها ومكانتها بسبب ما زرعه المحتل من تناقض وتقاتل وتفكيك في هيكلية الدولة السياسية والاجتماعية والعسكرية.
والسوريون اليوم وبعد ما يزيد عن عقد من الحرب المركبة المحمولة على تحالف الدول مع الإرهاب والحصار والحرب الاقتصادية يعانون الضائقة الاقتصادية والمعيشية التي وصلت حد التجويع، بعد أن كادت #سكاكين الإرهاب تقطع شرايين حياتهم، وهي قطعت الكثير الكثير من أعناق أبنائهم، وفجرت الكثير من أجسادهم وبترت أطرافهم، لكنها فشلت في انتزاع نبض الحياة منهم و فشلت في كسر إرادتهم وسلبها.
تعلم الولايات المتحدة الأميركية جيداً أن ما فشلت في تحقيقه عبر الحرب العسكرية التي قادتها عبر فيالق الإرهابيين ضد سورية لن تستطيع تحقيقه عبر الحصار والعقوبات، وتدرك أيضاً أن الشعب السوري الذي قاوم سيوف داعش وسياراتها المفخخة ومزق راياتها السوداء، هذا الشعب الذي لملم أشلاء شهدائه ونثر فوق جثامينهم الياسمين والأرز وحملها نجوماً فوق الرؤوس، لن تخضعه لقمة العيش على بشاعة فقدانها، ولن يهزمه برد الشتاء على قساوة مشهد أطفاله المحرومين من الدفء.
وعلى واشنطن التي تفاخر بنتائج حصارها على الشعب السوري أن تشعر بالخزي و العار بدل أن تفاخر بالوجع الذي تتسبب به للسوريين وبـأن عدد الأسر السورية الفقيرة يزداد مع مرور سنوات الحرب والحصار ويزداد معها عدد الأطفال والنساء وكبار السن الذين ينضمون إلى جياع العالم، على واشنطن أن تخجل من جرائمها بسرقة موارد السوريين ومنع عنهم سبل الحياة ومصادر التدفئة في برد الشتاء.
فالدول الكبرى وإن تمتعت بقوة عسكرية واقتصادية ضخمة فهي عاجزة عن كسر إرادة الشعوب حتى وإن استطاعت أن تحتل الأرض أو أن تفرض الحصار ومصير قوتها أن تنكسر على صخرة صمود الشعب كما حصل مع الجيش الأميركي في أفغانستان بعد عشرين عاماً من الاحتلال وكما حصل في العراق بعد احتلال دام عقدين وهكذا سيكون مصيرها في الجزيرة السورية ومنطقة التنف.
لقد وقف السوريون في وجه تسونامي التدمير والتفكيك الذي تقوده الولايات المتحدة وأحبطوا كل المخططات الأميركية للمنطقة ودفعوا على مدى 11 عاماً ثمن وحشية الإرهابيين وعدوان الدول الداعمة لهم من أعز ما لديهم من أحبتهم وخسروا ثرواتهم ودُمرت ممتلكاتهم ومنشآتهم، لكنهم لم ينحنوا، ويواصلون البناء والإنتاج في الزراعة والصناعة داخل البلاد وفي بلدان اللجوء.
فهذا الشعب يستحق الحياة الكريمة وعلى منظمة الأمم المتحدة وهيئاتها العمل للمساعدة في إنهاء مأساته المستمرة منذ عقد ونيف من خلال التحرك الجدي لإنهاء الاحتلال الأميركي والتركي لبعض المناطق السورية وإلزامهم التوقف عن سرقة موارد السوريين وثرواتهم وإنهاء الحصار الجائر والبدء بتقديم الدعم لمشاريع التعافي المبكر التي ستساهم في تحسين حياة السوريين وتساعدهم على استعادة حياتهم الطبيعية التي فقدوها خلال الحرب.
وعلى بعض السوريين الذين يربطون مستقبلهم بقوات الاحتلال ويرهنون مصيرهم لإرادة المحتل أن يعيدوا قراءة التاريخ القريب منه والبعيد ففيه أمثلة حية عن خيبات المرتهنين والمراهنين على الاحتلال، فمصير هؤلاء التشرد على أبواب السفارات والتعلق بحبال الطائرات المنسحبة تحت جنح الظلام.
وبين الحربين هناك حرب ثالثة من الفساد التي تخدم أجندات الاحتلال والأعداء وتثقل كاهل السوريين بأزمات مفتعلة أحياناً كثيرة لتعميق الجرح والشرخ بين المواطن ودولته، وهذه الحرب يجب أن نخوضها بأدوات داخلية وبعزيمة لاتقل عن عزيمتنا في مواجهة حربي الإرهاب والحصار.
الثورة