تخطى إلى المحتوى
آخر الأخبار
الرئيس الأسد يشارك في الاحتفال الديني بذكرى المولد النبوي الشريف في جامع سعد بن معاذ الرئيس الأسد يصدر مرسوماً يقضي بتكليف الدكتور محمد غازي الجلالي بتشكيل الوزارة في سورية.. الرئيس الأسد يهنئ الرئيس تبون بفوزه في الانتخابات الرئاسية الجزائرية الرئيس الأسد يصدر مرسوماً تشريعياً برفع نسبة تعيين الخريجين الأوائل من المعاهد التقانية في الجهات ال... روسيا تطالب بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي الذي ينتهك السيادة السورية الرئيس الأسد يصدر مرسوماً بتعديل المواد المتعلقة بالعملية الانتخابية لغرف التجارة وغرف التجارة والصن... الرئيس الأسد يترأس اجتماعاً للقيادة المركزية.. وبحثٌ لدور كتلة الحزب داخل مجلس الشعب اللجنة العليا للاستيعاب الجامعي تقرر قبول الطلاب الناجحين بالشهادة الثانوية بفروعها كافة في الجامعات... الرئيس الأسد أمام مجلس الشعب: مجلسكم هو المؤسسة الأهم في مؤسسات الدولة وتأثيره لن يكون ملموساً إن لم... بحضور عرنوس وعدد من الوزراء.. ورشة عمل حوارية حول التغيرات المناخية وسبل مواجهتها

من راعٍ للبقرات في سورية الى مدرس وباحث أكاديمي في فرنسا

د. جوليان بدور

رحلة حياتي قد تكون فريدة لا تشبه رحلة اي شخص آخر . شاءت الصدف، أنني ولدت من أب وأم لم يحالفهم الحظ بالذهاب الى المدرسة وانجبوا تسعة أطفال . العائلة كانت تعمل في الزراعة وتسكن في قرية صغيرة جداً (ابي مكة) بدون طريق معبد أو كهرباء . الحياة فيها كانت ربما قاسية لإعتمادها على الزراعة كمصدر دخل وحيد لكنها كانت تنعم بالهدوء والسكينة وتسبح في مناخ صافى خالاً من أي تلوث، وبيئة وطبيعة من الجمال المذهل . عند بلوغي سن السابعة تم افتتاح مدرسة إبتدائية في القرية في عام ١٩٦٣ من أجل استقبال أطفال قريتي وأطفال حوالي عشرة قرى المحيطة بها. كان هناك مدرس واحد ، الأستاذ وجيه قادرو رحمه الله من أبناء القرية، لتدريس شعبتان فيهما حوالي ١٠٠ طالب . بسبب عدم وجود طريق معبد وبعد القرية عن المدينة لم يكن أحد من المدرسين من خارج ابناء القرية يود الخدمة في القرية. تصورا كان على الأستاذ وجيه تدريس وتعليم حوالي ١٠٠ تلميذ من السنة الأولى حتى صف السادس.
نظرًا لمحدودية دخل أسرتي وضعفه، كان عليّ ، كجميع أطفال القرية، العمل مبكرًا منذ سن الخامسة ، لمساعدة الأهل في العمل بالأرض من أجل تأمين الحد الادنى من الدخل المادي ..
بالنتيجة ومنذ سن الخامسة اذاً ، وخلال العطلة الصيفية، طلب مني والدي أن أستيقظ باكرًا من أجل اصطحاب البقرات الى الحقل. صغير السن والقامة، القطيع لم يكن يهابني. فمثلًا لم يكونوا البقرات والفدادين والدابة يعدلوا عن إلحاق الأذى بالمحاصيل عندما كنت أصرخ بهم. كما أن الدابة ذات الحم الكبير لم تكن تهابني وكانت ترفض أن أتسلق على ظهرها وكلما أقتربت منها كانت تشك رأسها بالأرض ويترشقني برجليها ( أي كانت تلبطني) . مما اضطرني الى بذل جهد كبير والمشي على الأقدام عند اقتياد القطيع الى الحقل الذي كان يبعد ساعة واكثر من البيت . استمرت هذه الحالة عدة أشهر الى أن ساعدني والدي بالصعود على ظهر الدابة وفهمت هذه الأخيرة بأنني سأكون “خيالها” . استمريت برعي البقرات، بعد الدوام بالمدرسة أو خلال العطل الصيفية من سن الخامسة حتى السادسة عشر. في كل يوم كان عليَّ إذًا الاستيقاظ قبل الخامسة صباحًا واصطحاب القطيع الى الحقل ومن ثم العودة الى البيت الثانية عشر ظهرًا. نعاود الكرة بعد الظهر، ونخرج القطيع من جديد من الساعة الثالثة الى حتى غروب الشمس .
عندما كبرت وبلغت سن الشباب تغيرت طبيعة العمل. فحلت مهنة قطاف وشَكْ الدخان مكان رعاة البقر. ولكن بدل من الاستيقاظ الساعة الخامسة مع البقرات كان عليّ الاستيقاظ الرابعة صباحًا والقيام بقطاف شوال دخان نوع بصمة (أي ذو الاوراق الصغيرة) والعودة الى البيت قبل الساعة السابعة صباحًا. كما كان عليّ ، بعد تناول الفطور ، الجلوس طوال النهار وشك ١٤ خيط دخان. استمر الحال على هذا المنوال حتى قدومي الى فرنسا في عام ١٩٨١.
بعد حصولي على الشهادة الجامعية من كلية الاقتصاد والتجارة في حلب، بدرجة امتياز ، شاء الحظ أنني حصلت على منحة دراسية من فرنسا من أجل الحصول على دكتوراة بالاقتصاد. وهنا بدأت قصة جديدة من حياتي اكثر صعوبة ومشقة عن التي قضيتها في سورية. بالاضافه الى العمل من أجل كسب المال، كان عليّ أيضاً تحمل معاناة الوحدة والعزلة وفقدان حنان الأهل والأصدقاء وتعلم اللغة من الصفر (ولادة جديدة). الصعوبات كانت متعددة قاسية وهائلة( والبعض منها سببه جنسيتي السورية) والرهانات كذالك. بمعنى ممنوع عليّ العودة للبلد بدون الحصول على الدكتوراة مهما كلفني الأمر. بعد الدفاع عن أطروحة الدكتوراة في عام ١٩٩٢، في مدينة اكس ان بروفانس، كان عليّ ايضاً الانتظار أربع سنوات قبل أن أنجح في مسابقة تعييني كأستاذ مدرس في الجامعة الفرنسية لجزيرة ريونيون التى تقع بالمحيط الهندي وتبعد عن فرنسا حوالي عشرة الالاف كم.
أخيرًا، بالرغم من الصعاب والمشقات التي واجهتها يمكنني القول بانني حقًا من المحظوظين لأمرين: الأول لكوني ولدت في بلد هو بالنسبة لي من أجمل وأعرق البلدان ومن أب وأم، لا يعرفون القراءة والكتابة ، لكنهم زوداني ومداني وأعطاني من الدروس والخبرة والقيم والإنسانية ما تعجز عنه أكبر وأعرق الجامعات . الأمر الثاني هو ان حياتي المهنية في التعليم والبحث تمت في جزيرة في غاية من الجمال تتميز عن غيرها بتنوع سكانها وجمال تضاريسها ومناخها وموقعها الجغرافي .
وأخيرًا بقي علي ان اقول بان رحلتي لم تنتهي بعد، اذ بقي عندي حلم كبير . اذ أود بعد تقاعدي القريب ان أقضي أغلب وقتي في قريتي بين أحبتي وأهلي وجيراني وان اقوم بمساعدة شعبي وخدمة بلدي ما أستطعت اليه سبيلا ….

 

 

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print

إقرأ أيضامقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تابعونا على فيس بوك

مقالات