مثل عشرات الآلاف من الأسر السورية، لم تصلني الدفعة الأولى المتواضعة من المازوت، ولم تُجْدِ محاولات الاستفسار المتكرّرة مع شركة محروقات للإجابة عن سؤال: متى ستصل الدفعة الأولى لملايين الأسر السورية على الرغم من دخولنا فصل الشتاء منذ أسابيع؟!.
وبالمصادفة.. اكتشفت أن عشرات الآلاف من الأسر لم تستلم حصتها الـ 200 ليتر، وفي بعض المحافظات 100 ليتر فقط، لأن هناك شبكات (محترفة) تتاجر بالمازوت المدعوم!.
ماذا نتوقع مثلاً من مراقبين تموينيين سابقين جمعوا ثروات من ابتزاز صغار الباعة وشفط رواتب شهرية من كبار التّجار، أو دفعات مالية كبيرة لتمرير (المهربات) التي تباع علناً في الأسواق؟.
هؤلاء المراقبون السابقون الذين احترفوا مهنة (الكسب الحرام) لن يغادروا شبكات الفساد التي تتاجر بالمواد المدعومة.
نعم.. معظم الفاسدين الذين غادروا مواقعهم استمرؤوا شفط المال الحرام واستثمروا بعض المنهوب بالاتجار بالمازوت المدعوم!. والملفت أن بعضهم يلبس (لبوس) المتّقين ويحاضر في المبادئ والأخلاق!!.
هؤلاء المتاجرون بالمواد المدعومة لا يعملون بمفردهم ولا لحسابهم الخاص، وإنما ضمن شبكات أو بالأحرى مافيات من أهم عناصرها فاسدون في وزارتي النفط والتجارة الداخلية.. وإلا من أين يأتي الفاسدون بالمازوت المدعوم؟.
ميزة مراقب التموين السابق أنه يعرف أقرانه الفاسدين الذين لا يزالون على رأس عملهم، وهم احترفوا مهنة الفساد والإفساد، وأساليب إنجاز العمليات القذرة بطرق محكمة يصعب كشفها إلا في حالات نادرة وغير متوقعة!.
من هذه الحالات استعانة تجار المازوت المدعوم بأفراد يحتاجون دخلاً إضافياً، ومستعدين للقيام بالأعمال (اللوجستية)، والثقة المفرطة بالنفس للفاسدين توقعهم أحياناً في فخ جشع (الصغار)، وهؤلاء الصغار لا يتردّدون بالنصب على (معلميهم)!!.
فجأة.. يجد هؤلاء الصغار المستجدون بمهنة الفساد كل شهر أو أقل ملايين الليرات بين أيديهم، يسلّمها لهم تجار المازوت المدعوم كي يدفعوا ثمن عشرات آلاف الليترات المسروقة. وبعد فترة تطول أو تقصر تغري هذه الملايين صغار الفاسدين فيبدأ (الوسواس الخناس يوسوس بعقولهم)، فلا يتردّدون بسرقتها والتواري عن الأنظار.
(المصيبة) التي فاجأت بعض الفاسدين المتاجرين بمازوت ملايين السوريين (أوقعتهم في حيص بيص)، فالمصيبة الآن أنهم لا يجرؤون على تبليغ السلطات بأنهم تعرضوا لعملية سرقة أو نصب!.
نجزم أن هذه السرقات للمازوت المدعوم التي اطلعنا على تفاصيلها بالمصادفة المحضة، توجد المئات منها وفي كل المحافظات، ومعظمها منظّم ضمن شبكات أو مافيات صغيرة أو كبيرة، سبق وأشارت إليها نقابة عمال وزارة النفط منذ عدة سنوات. وهذه المافيات متخصّصة بكل المواد المدعومة وليس بالمازوت فقط، والدليل أن مسؤولاً في وزارة التجارة الداخلية كشف منذ أكثر من ثلاث سنوات أن هناك مافيا تتاجر بالدقيق التمويني.
ماعرفناه.. أن الفاسدين الذين تعرّضوا للسرقة من عناصر صغيرة تعمل بإمرتهم يحاولون الآن حلّ مشكلتهم (ذاتياً)، وبعضهم زعم أن لديه سندات أمانة موقعة من (السارقين) ستدخلهم السجن فور وضعها بالتنفيذ!!.
حسناً.. هل يجرؤ الفاسدون تجار المازوت المدعوم المشفوط من ملايين السوريين بالمغامرة والإبلاغ عن شركائهم في عملياتهم القذرة؟.
نتوقع أن (يبلعها) المتورطون ويعتبرون أنهم تعرضوا لنكسة عارضة كي لا يخسروا (نبعاً) لا ينضب من المازوت، يشفطون من خلاله عشرات ملايين الليرات غير مكترثين بأحوال ملايين السوريين في عزّ الشتاء.
بالمختصر المفيد: لن نصدّق أن وزارتي النفط والتجارة الداخلية غير قادرتين على تبنّي آليات فعّالة، واتخاذ إجراءات زاجرة تغلق نبع المازوت المدعوم بوجه مافيات الفساد، وتعاقب عناصرها بأقسى العقوبات وتلزمهم بإعادة المال الذي شفطوه على مدى السنوات الماضية.
نعم.. يكفي إمساك طرف الخيط الصغير للوصول إلى الرؤوس الكبيرة!!.