عبد اللطيف عباس شعبان/ عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
قبل أيام ورد في الإعلام أن مجلس الشعب أقر بالإجماع قانون الموازنة العامة لعام 2021 وأصبح قانوناً بعد مناقشة بنوده على مدى ثلاثة أيام متتالية، حيث بلغت قيمة الاعتمادات مبلغاً مقداره /8500/ مليار ليرة سورية، موزعة على كل الجهات، على أن تصرف الاعتمادات المرصودة على دعم الإنتاج الزراعي، والصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية، وكذلك دعم الدقيق التمويني والخميرة، والمشتقات النفطية وغيرها، بهدف النهوض بواقع الاقتصاد بفكر جديد يحدد الأولويات، ويعرض متطلبات الإصلاح، ومستلزمات التطوير..
من يقرأ هذه المعلومة ويجد عبارة دعم الإنتاج الزراعي أولاً يخيّل له فوراً أن الاعتماد المخصص للإنتاج الزراعي هو الأكبر في الموازنة، في ضوء مقتضيات المصلحة العامة، خاصة أن شعار الدولة المرفوع منذ عامين هو زراعة كل شبر أرض، لكن الأرقام التي توزع الموازنة تظهر أن المبلغ المخصص للدعم الزراعي هو 50 ملياراً فقط، وهذا المبلغ يقارب 0.5% من مجمل الميزانية، أي أقل من 1%، رغم أهمية القطاع الزراعي ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، فهل هذا المبلغ الزهيد ينهض بالقطاع الزراعي كما هو مروّج له؟ وأين الحكومة من تخصيص مبالغ ضخمة تشجع القطاع الخاص للمزيد من الاستثمارات في القطاع الزراعي والحيواني، بالتوازي مع تخصيص مبالغ ضخمة لمنشآت زراعية وحيوانية إنتاجاً وتصنيعاً وتسويقاً، تقيمها وزارة الزراعة والجهات الأخرى المعنية بالقطاع الزراعي، بدءاً من النهوض بالمنشآت القائمة، وإحداث المزيد تتابعياً، فهل من الجائز أن تدعو الحكومة لزراعة كل شبر أرض ولا تكون هي مشاركة في ذلك؟!.
ورغم أهمية المشاريع الاستثمارية الإنتاجية، ما هو متعثر من قديمها المزمع إصلاحه وتحديثه والنهوض به، منذ سنوات طوال، أو ما هو واجب الإحداث مجدداً، وخاصة ما تمت الوعود بشأنه قبل سنوات، فإن الموازنة لا تلحظ إلا النذر اليسير لهذه المشاريع، إذ إن حصة العمليات الاستثمارية فيها / 1500/ مليار فقط، أي أقل من /18% / من مجملها، وربما قد لا ينفذ كامل هذا الرصيد خلال العام لسبب أو لآخر، ولا يخفى على مجرب أو حكيم أن للفساد المالي والإداري التنفيذي حصة مما قد يتم تنفيذه في حينه، فهل هذا المبلغ الاستثماري الضعيف يحقق بعض النمو المطلوب والمنشود؟!.
الملفت للانتباه أن القسم الأكبر من الموازنة الذي هو/ 7000 / مليار، والذي يشكّل أكثر من 80% منها، مخصص للعمليات الجارية التي خصصت نسبة كبيرة منها لدعم الرغيف بـ / 700 / مليار، والمشتقات النفطية بـ /2700 / مليار، والكهرباء بـ / 1800 / مليار، هذا الدعم العيني الذي ثبت بالدليل القاطع الكثير من مثالبه، ولم تول السلطات المعنية أية اهتمامات بعشرات الاقتراحات التي صدرت من خبراء اقتصاديين، ومن كبار الإعلاميين، والتي ارتأت مراراً وتكراراً ضرورة الاستعاضة عن الدعم العيني بالدعم النقدي، نظراً لمعاناة الكثيرين من الاستفادة من هذا الدعم، وثبوت ضياع الكثير من المال العام المخصص للدعم العيني نتيجة الهدر، ونتيجة متاجرة السوق السوداء بالمواد المدعومة، ما ظهر منها وما بطن، والتي يحقق عشرات المتاجرين بها أرباحاً تفوق ما يحققه مئات آلاف المستهلكين، عدا عن أن كثيراً من الدعم العيني يشمل بسوية واحدة عدة شرائح اجتماعية ذات سويات اقتصادية متباينة، إذ يحصل على هذا الدعم من لا يستحقه أو لا يستخدمه، ما يؤسس لسوق سوداء.!.
مدعاة للسرور أن قانون الموازنة لحظ مبلغ 25 ملياراً لصالح فرص عمل جديدة، ومن خلال تجميع أرقام المبالغ الموزعة يتبيّن أنه لحظ قرابة 125 ملياراً للمكافآت التشجيعية للعاملين في الجهات العامة، والوزارات، ومجالس المحافظات، والمدن والبلدات والبلديات، ويبقى الأهم هو أن يتم الأخذ الفعلي بالتوصيات التي نصت على ضرورة تعديل قانون العقود رقم 51 لعام 2004 لكونه معرقلاً لتنفيذ الموازنة الاستثمارية في عدد كبير من مواده، وعقد اجتماعات دورية بشكل ربع سنوي بين لجنة الموازنة والحسابات في مجلس الشعب مع الوزارات لبيان نسب إنجازها، وإعادة النظر بالاستحرار المركزي لكونه لم يؤد الغرض المطلوب منه في تأمين احتياجات الجهات العامة، خاصة المشافي، إضافة إلى عدم الاستفادة من تكلفة الفرصة الضائعة والخسائر المتحققة نتيجة تقلبات سعر الصرف، وضرورة العمل على رفع الرواتب والأجور للعاملين في الدولة، خاصة أنه وردت في مشروع الموازنة زيادة في بند الرواتب بما يعادل 45%، والأهم الأهم أن يتم التنفيذ الفعلي والسريع للتوصية القاضية بضرورة إيقاف استيراد السلع الكمالية (الاستيراد الاستفزازي) الذي يستهلك موارد الدولة من القطع الأجنبي، وما أكثر هذه السلع أنواعاً وكميات، شريطة المزيد من التدقيق العادل عند تنفيذ التوصية الخاصة بالبحث عن مطارح ضريبية جديدة..
المقال منشور في صفحة اقتصاد من صحيفة البعث ليوم الجمعة 25/12/2020