في ذاكرتنا تخلد أروع معاني الطفولة المجسدة في شعر الكبير بدوي الجبل (( وصن ضحكة الأطفال ياربي …إنها إذا غردت في موحش الرمل أعشبا )) و لكن هذه المرة ضاعت هذه الضحكات مع أصوات رصاص الحرب و قنابل الإرهاب و اختلطت بالبحث عن لقمة السم بين الدخان و نفايات و قمامة الفقر و الجهل في الأزقة و على عتبات الأرصفة و غبار سيارات الشوارع المزدحمة و بيع مستهلكات بالية على إشارات المرور و تنظيف أحذية الكثيرين ربما كانوا من المشاركين في تسميتهم ( متسولين ) …
يقولون و يتحدثون عن الحرب في سورية وهذه الحرب التي صغرت في نظرهم و في فكر كل من ساهم في إنجاحها و إنجاح تداعيات الإرهاب القادم إلى شرقنا المأزوم التي قامت بتد مير الحجر و البشر و حتى الشجر و لكن يبقى البشر أغلى الأثمان و لكن هذه المرة كان الثمن أطفالنا بمعيار الذهب و قتل براعم حياتنا و أمل مستقبلنا و تحويلهم ليكونوا مشردين ضائعين لا مأوى ومتسولين بلا هوية و لا مسار و لا مستقبل سوى الغرق في بحر قذارت حرب تحرق جلودهم لتشتم رائحة قتل و ضياع أقدس فلذات أكبادنا …
نعم إنها ظاهرة تسول الأطفال و انعدام الإنتماء الطفولي و فقدان الارتباط الأسري و البيتي ليكونوا سلعة مستهلكة و لقمة سائغة بأيد إرهابية منها الواضح و منها الخفي و لكن يبقى الجدل المهم لماذا قتل طفولة براعمنا بهذه الطريقة وهل وصل العنف الإرهابي ليكون صيده الثمين هو براءة أطفالنا, و المتاجرة بطفولتهم وأصابعهم الغضة التي أصبحت حجارة على أرصفة و خشبات مخيمات يعمها المرض و الفقر …هذه الظاهرة التي انتقلت من مدينة إلى أخرى و أين حقيقة ما يجري من اهتمام وأوراق مؤتمرات المنظمات الإنسانية التي تسعى للعمل على تقليل ظواهر العنف ضد الأطفال … ألم يشكل التسول و العبث في القمامة شكلاً من أشكال العنف الإنساني و الطفولي .. و هل بات رؤية أطفال ذكوراً و إناثاً وهم ينظفون زجاج السيارات و بيع الورود و بيع المستهلكات البالية و جمع العبوات البلاستيكية من النفايات مشهداً عابراً أمام أعين المهتمين و المسؤولين و المنظمات الحكومية و الجمعيات الخيرية التي تعمل مع منظمات حقوق الطفل و العنف ضد الأطفال لتأتي نتائجه أطفال يرزحون تحت خط التشرد و القتل و الخطف و غير ذلك من اغتصاب و تعنيف …هذه الظواهر تفشث بكثرة وانتقلت من مدينة إلى أخرى و تحظى بأعداد من الأطفال ممزقي الملابس و متسخي الوجوه و معدمي النظافة الشخصية ليكونوا دمى مشوهة أمامنا في كل مكان , و الطامة الكبرى أمام أهم الأماكن و خاصة الحكومية و ذات الشأن العام وعلى مرأى من الجميع …و هنا يستحضرنا السؤال من المسؤول عن تلك الظواهر اللأخلاقية و من يتكفل بتشجيع هؤلاء و نهب مقدراتهم الطفولية و كسر حاجز صمت الطفولة المقتولة في داخلهم …هذا النوع من الجرائم المعنفة من أقسى أنواع جرائم العنف الذي يستبيح الاستخدام المتعمد لعقولهم و استغلال براءتهم في أماكن مباحة مهددة ضاربين عرض الحائط صحة الطفل و فقدان علمه و تربيته ووضع غشاوة عن رؤية كيف و أين يمضي لياليه المقفرة تحت الأدراج و تحت عتبات الأبنية و أمام فوهات المخازن و أبواب الملاجئ السكنية القديمة …..
ربما يكثر الحديث و التوصيف لقساوة لبست أجسادهم وممارسة عليهم جهل أعمى بصيرتهم و أبصارهم لهؤلاء الأطفال و لكن يبقى الألم و السؤال هل جفَ حبر الأوراق في المؤتمرات التي أقامتها منظمات رعاية الطفولة و منظمات الإغاثة و حماية الطفل من الاستغلال و الإيذاء و هل انتهت نتائج الدراسات التي نسمع عنها عالمياً عن توفير بيئة ملؤها الطمأنينة و التعليم و الحد من ظواهر الاستغلال و شراء قلوب بريئة انصاعت ملبية لكثيرين ممن يستحقون الحساب و المعاقبة …و هل حاولت إيجاد حلول ناحعة لحمايتهم و الاهتمام بقوتهم اليومي و حقوق عيشهم و إبعادهم عن مرتع القهر و العنف و فضلاً عن ذلك أين الحلول المقدمة من أجل البحث و النظر في مستقبل هؤلاء الأطفال و كيف يمكن القضاء أو مكافحة ضياعهم و موتهم الحي .. و هنا نتوه جميعاً و لكننا نأمل في إيجاد الآذان الصاغية و الجهات المختصة التي يمكن أن تساعد في تقليل أخطر ظاهرة تلامس أطفالنا و تنقذهم من مراتع الإتجار بأرواحهم …ويبقى أن نقول أطفالنا هم أكبادنا و هم رسالة الحياة و ثروة الحياة ….
- الرئيسية
- مجتمع ومناسبات, محليات
- شهداء الطفولة الأحياء-بقلم ريم عبد اللطيف
شهداء الطفولة الأحياء-بقلم ريم عبد اللطيف
- نشرت بتاريخ :
- 2015-08-10
- 9:13 م
Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print
تابعونا على فيس بوك