تخطى إلى المحتوى
آخر الأخبار
الرئيس الأسد يصدر مرسوماً يقضي بتشكيل الوزارة الجديدة برئاسة الدكتور محمد غازي الجلالي الرئيس الأسد يصدر مرسوماً تشريعياً بعفو عام عن جرائم الفرار والجنح والمخالفات المرتكبة قبل تاريخ الـ... الرئيس الأسد يشارك في الاحتفال الديني بذكرى المولد النبوي الشريف في جامع سعد بن معاذ الرئيس الأسد يصدر مرسوماً يقضي بتكليف الدكتور محمد غازي الجلالي بتشكيل الوزارة في سورية.. الرئيس الأسد يهنئ الرئيس تبون بفوزه في الانتخابات الرئاسية الجزائرية الرئيس الأسد يصدر مرسوماً تشريعياً برفع نسبة تعيين الخريجين الأوائل من المعاهد التقانية في الجهات ال... روسيا تطالب بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي الذي ينتهك السيادة السورية الرئيس الأسد يصدر مرسوماً بتعديل المواد المتعلقة بالعملية الانتخابية لغرف التجارة وغرف التجارة والصن... الرئيس الأسد يترأس اجتماعاً للقيادة المركزية.. وبحثٌ لدور كتلة الحزب داخل مجلس الشعب اللجنة العليا للاستيعاب الجامعي تقرر قبول الطلاب الناجحين بالشهادة الثانوية بفروعها كافة في الجامعات...

بانوراما طرطوس ينشر الأجزاء الثمانية الأولى من رواية(صَوتُ مَحْجوبَة ) للأديبة فاطمة صالح صالح

 

13872555_228861774175139_423319186_nصوتُ مَحجوبَة 1
____________________

إشراقةُ روح
__________

تبدأ الشمسُ فَرْدَ جدائلِها على سفوحِ التلالِ، وقِمَمِ الجبالِ الخضراءِ، التي بدأتْ أصابعُ الربيعِ تهزُّ عَطاءَها من كتفيه، فتخضرُّ روحُها، وتمشي إلى حيثُ خُلِقتْ له.. ينسابُ النورُ على صفحاتِ روحِها، وعلى شُرفةِ منزلها المتداعية.. أشعةٌ ناعمةٌ تولَدُ هذا الصباح، ذهَبيةٌ، كأنها بدايةُ نضوجِ سنابلِ القمح.. ترفرفُ أجنحةُ الكينا، وتصفقُ وهيَ تستقبلُ الشمسَ، كأنّ أوراقها لآلئُ ترقصُ في روحِ أنثى عاشقة..
قبل طلوعِ الشمسِ، نهضت (محجوبة)، قاوَمَتْ إغراءَ النومِ قليلاً، وخرجت إلى شُرفةِ الفجرِ، تلتقطُ من سِحرهِ أنفاسَها الرطبة.. تنفست بعمقٍ، عدّةَ مرات.. عَبّتْ كلّ ما تستطيعُ من رحيق.. وزفرَتهُ غنياً بالكربون.. انتعَشتْ أورِدَتها، وشعرت بالمزيدِ من النشاطِ يُنعِشُ روحَها، راحتْ ترفرِفُ بأجنحتِها الخمسينيةِ، كأنها ابنةُ عشرين، رقصَتْ ملامِحُ وجهِها الأسمرِ، كأنها سنابلُ حنطةٍ يؤرجِحُها نسيمُ الفجرِ الأخضر، فتلوِّحُ لهُ بسُمرَتِها الناضجة..
ذهبَ الفجرُ إلى شُرفةٍ أخرى في هذا العالم، وانسالَ الشعاعُ الذهبيُّ على أسطحِ المنازلِ البعيدةِ والقريبةِ، في مُحيطِ (مَحجوبَة)، لم تأبه كثيراً للمدّةِ الزمنيةِ التي استغرقها مسيرُها الباكِرِ، من أقصى غربِ الشرفةِ، إلى أقصى شمالها.. لم تأبهْ لبلوغِها الخامسة والخمسين، قبلَ عدّةِ أيام.. لابُدّ أنهُ أصبَحَ لحياتِها مَعنى.. لا بُدّ أنّ وجودَها صارتْ لهُ قيمةٌ مُجدِية في هذه الحياة.
لوحاتُها، التي تحرصُ على التوقيعِ عليها باسمِها (الجميل)، مَركونةٌ في زوايا منزلِها البعيد، تحثّها على الإستمرار، تدفعُها دائماً إلى الأمام.. الأمام..؟! أم..؟! وهل هناكَ أمامٌ وخلفٌ، حينَ تكونُ الحياةُ مُفعَمةً بالعطاء..؟!
كلُّ لوحاتِها، كانت مُستوحاةً من وجهِ صغيرِها (صَباح) الذي رحَلَ، دونَ أن يكونَ لها سَنَداً على الحياة، بل أضافَ إلى أعبائها أعباءً مُضاعَفة..
تقفزُ إحدى لوحاتِها من مكانِها، وتجلسُ القرفصاءَ أمامَ مُبدِعَتِها، كأنها طفلةٌ تداعبُ أمها، وتُبادِلُها الفرح.. تمسحُ (محجوبة) على شعرِ الطفلةِ، وتضمّ رأسَها، وتمنحُها قُبلةً صباحيةً دافئة..
آذارُ يحضنُ الكونَ، ويحضنُ روحَ (مَحجوبَة).. تشعرُ بحنانِهِ الذي رافقَها منذُ أن وَجدَتْ ذاتَها.. تمتلئُ بالنشاطِ، والهِمّة.. وتبدأ العَمَل.
إنها تعرفُ قيمةَ حياتِها، الآن، وقيمةَ عَمَلِها، وتدركُ أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى، معنى أن تكونَ إنسانة، ومعنى أن ترسمَ طريقَ حياتِها، كما تريد هيَ، وكما يُسعِدها.. كيفَ تتأقلمُ مع ظروفِ حياتِها، مهما كانت قاسية.. وقد أفلحَتْ في تحويلِ ماهوَ سلبيّ، إلى إيجابيّ، كما تراه. وهل تنضجُ السنابلُ، إلاّ بعدَ أن يمرَّ عليها فَصلٌ منَ الحرارةِ الشديدة..؟!!
منذ سنوات، كانت (محجوبة) قد استيقظتْ من كوابيسِها، لتسألَ نفسَها :
– مَن أنا..؟!
أين كنتُ قبلَ قليل..؟!
أين زوجي مُعتزّ..؟!
وهل أنا متزوّجة، حقاً..؟!
أين تالة، وهالة، ابنتيّ..؟!
أين قبر طفليَ المسكين، صباح..؟!
وكيف تكون لي ابنتان، دون أن أكون متزوّجة..؟!
وهل هذا بيتي، حقاً..؟!
وماذا يمتلكُ من مُقوِّمات البيت..؟!
الجدران الإسمنتية.؟ والسقف.؟ والغرف الواسعة.؟ والشرفة، التي تطلُّ على الطبيعة الجميلة..؟!
وهل كلُّ هذا كافٍ لأن يكوِّنَ بيتاً لأسرةٍ كانتْ حُلُمي..؟!
البيتُ وطنٌ صغير..
_______________
أبعَدَتْ عن رأسِها كلّ فكرٍ سلبيّ، يمكنهُ أن يثبّطَ هِمّتها، أو أن يعيدَها إلى نفسِ الدائرةِ المُغلقةِ، التي كانت مَسجونةً فيها، وتدورُ حولَ نفسِها وهُمومِها دونَ قرار، مدّةً تجاوزتِ الثلاثينَ عاماً.. ترَحّمَتْ على طفلها ذي الإحتياجِ الخاص، واقتنعتْ، وهيَ تنظرُ إلى صورتهِ الحبيبة، أنّ عينيهِ الصغيرتين، تحثانِها على المزيدِ من تحقيقِ ذاتِها :
-أكونُ سعيداً، كما تمنيتِ لي، يا أماه، في حالةٍ واحدة.. أن تكوني أنتِ سعيدة….
قبّلتهُ من جبينهِ، ومن خدّيهِ ، ولامَست شعرهُ بأصابعِ أمومتها، وضمتهُ إلى صَدرِها، قبل أن تركنَ الصورةَ في مكانها المُفضّل :
-سأحَقّقُ رغبتكَ، يا بُنيّ.. لكن.. ابقَ معي..
-أنا معكِ، يا أماه….
-أعرفُ يا صغيري.. ولن يهمّني، بعدها، سُخطَ أبيكَ، أو نظرةَ الشفقة، أو الإستخفاف، من أيٍّ أحدٍ في الكون..
ضحكتِ الصورةُ، وانبثقَ النورُ من عينيّ صَباحِها…
تناوَلتِ الريشةَ، والألوان، وبدأت ترسمُ مشاعرَها…..
تناسَتْ أنها لوحدِها…. بل، لم تعُد لوحدِها… صَباحُها يرافقها.. ويساعدُها على إقناعِ أختِهِ هالة، أن تنسى ريمون، وخداعَه… وأن تنهضَ من جديد…
-ريمون، لا يعرفُ إلاّ مَصلحتهُ الخاصة، يا أختي.. ولا تهمهُ مشاعركِ، أو مشاعر كلّ مَن خَدَعَهنّ… ها أنتِ ترين، فقد تزوّجَ من تحققُ لهُ رغبته، ونسيكِ، كما نسيَ كلّ ضحاياه… لا تلوميهِ يا أختي.. فقد ربّاهُ أبواهُ على هذهِ الأنانية..
-لكنني مُحَطّمةٌ يا أخي.. أنا مُحطّمةٌ يا صباح…
-لستِ محطمة.. أنتِ تعاقبينَ نفسَكِ التي صَدّقتْ ريمون، وأضاعتْ من عمرِها سنتين، وهيَ لا ترى سواه.. تركتِ دراستكِ، والتحقتِ بأهوائه.. كنتِ تفاخرينَ أنهُ يغازلكِ أكثر من بقيةِ الفتيات..
-لا تزيديني ألماً، يا أمي.. حتى أنتِ ضدي..؟!
-أنا معكِ، ولستُ ضدكِ، يا هالة.. تبقينَ ابنتي، رغمَ تمرّدكِ، وعنادِك..
-ألم يخدعكِ زوجكِ أنتِ..؟! اعترِفي..!!
-لكنني نهَضصتُ، وتابعتُ حياتي بما تبقّى لديّ من طاقة.. وأنتِ ترينَ النتائج..
لم يكنْ لديّ أيّ سلاحٍ أواجهُ بهِ العالمَ، بمُفرَدي.. فاعتمدتُ على مَوهبتي، مِنحَتي الرّبانية.. ولم أسمحْ لأبيكِ، ولا لبقيةِ الأشواكِ المُتألّبةِ، أن تمنعني من تحقيق ذاتي.. أنقذتُ ما يمكنُ إنقاذه… أنتِ مازلتِ في ريعانكِ، يا ابنتي.. قومي… فالحياةُ هديةٌ من القوةِ الخالقة.. ويجبُ علينا أن نملأها بالعطاء، الذي يُغنيها.. كي نرضي الله.. عندها، فقط، نثبتُ أننا نستحقّها..
-مازلتُ في ريعاني..؟! نسيتِ أنني تجاوَزتُ الخامسة والثلاثين..؟؟! نسيتِ أنّ تالة تزوّجتْ مَن أحبها وأحبتهُ، ورُزقت بطِفلين..؟! نسيتِ أنها مدرّسة، وأنا لم أحصل على الشهادةِ الثانوية..؟! هل خرِفتِ..؟!
-لم أخرف، بعدُ، يا هالة…. أعرفُ كلّ ذلك… لكن….
-لكن، ماذا..؟!! ستقولينَ لي : لم يفتِ الأوانُ، ولن يفوتَ، مادمنا على قيدِ الأمل… أنا لا أشعرُ بأيّ أمل.. أنا مَيتة..
-مَن التي تكلّمني، إذاً..؟!
-اضحكي.. اضحكي عليّ، كعادتِك…..
كانَ محمودُ قد عادَ من غُربتهِ، حاصِلاً على شهادةٍ رفيعةٍ، أهّلتهُ لإنشاءِ معملٍ لصناعةِ الألبسةِ الجاهزة، بخِبرَةٍ مُضاعفة.. شجّعهُ على إنشائهِ في مدينتهِ الساحليةِ، تحسّنُ وضعِ الوطنِ، بعد خمسٍ عِجاف.. وبدأتْ براعمُ ربيعِنا الحقيقيّ تلوّحُ للفجرِ الأخضرِ، بعدَ ليلٍ دامِسٍ أحمر.. لم يقدر، خلالَ تلكَ السنواتِ الحارّةِ، أن يحضرَ زفافَ أخوَيهِ الشهيدَين.. لكنهُ قرّرَ أن يثأرَ لهما، على طريقتهِ الخاصّة..
-أعرف.. تظنينَ أنّ محمود، سيقبلُ بي، بعد كلِّ ماحصَل..!!
-لا أظنّ ذلك.. لكنهُ يبحثُ عن عاملات… وقد أخبرتُهُ بوضعِكِ، عندما استفسَرَ عن حالتك..
-تشحذينَ عليّ..؟!
-أكسرُ فمكِ، إن تطاوَلتِ عليّ، بعد الآن…. قومي.. افتحي الباب… ألا تسمعينَ رنينَ الجَرَس…..؟!
____________________________________________________

فاطمة صالح صالح
المريقب في 15/3/2016م

صَوتُ مَحجوبَة 2
_________________

وَعَدتُكِ أن أكونَ صوتكِ، يا مَحجوبة..
لكن شروطكِ تعرقلني..
كيفَ لي أن أكتب الحقائق التي شَهِدتُها، والتي رَوَيتِها لي، دون أن أشيرَ إلى أنها مُعاناتكِ، ياغالية..؟!
– أرجوكِ، أرجوكِ، لا أريدُ أن أؤديه.. ولا أريدُ أن أؤدي أحداً..
– مَحْجوبة.. (كل ما يجرحْ، فهوَ سلاح )..
– لا أريدُ أن أجرح.. أريدُ، فقط، أن أحكي.. أن يعرفَ جميعُ مَن يهمونني بما عانيتُهُ، وأعانيه.. كفاني ظلماً، حتى من الأقربين..
– سأحاولُ أن أخفي الكثيرَ من مَلامِحِكِ الغالية.. ألا تَرَينَ، أنني أسمَيتُكِ (مَحجوبة )..
الحقيقةُ ليستْ مُرةً، كما يوهِمُنا الواهِمون..
الحقيقةُ، ياغالية، من الحق.. والحق أولى أن يُخشى التعَدي عليه..
– أثقُ بكِ، يا شقيقةَ روحي.. بل، يا روحي..
– سأحاوِلُ أن أقومَ بواجبي، ككاتبة، وألا أكررَ ما كتبَ الآخرون..
ليكن بعِلمِكِ، يا شقيقتي، أنني كتبتُ، يوماً، مامعناه :
( لن أكتبَ ماتريدون.. لأنكم مَقتَلي )
وكان هدا، قبلَ أن أصبحَ كاتبة، تقرأ لها الملايين، أقل، أو أكثر..
– أدعو لكِ بالتوفيق..
– استعَنتُ بمَن أعبُد..
___________________________________________________
فاطمة

صوتُ مَحجوبَة 3
_______________

– لمَن أشكوه..! وكل مَن سأشكو لهم، ويستطيعونَ مساعدتي لأخد حقي، مَحكومين بعقليةٍ تشبهُ عقليته..؟! عقلية ظالمة، لا تعترفُ بحق المرأةِ، الدي يماثلُ حَق الرجُل، على شرطِ توافرِ الفرصِ، أو، كما يُقال، تكافؤ الفرَص..؟!

يقولُ لي : أنا أستطيعُ العيشَ بمفردي، ولا أحتاجُ خِدماتك..
فأجيبُهُ : إداً، لمادا تزوجتني..؟! كنتَ اتركني لأتزوجَ رَجُلاً من مقامي، وليسَ حضارياً، مثلك.. كنتَ تزوجتَ امرأةً من مَقامِك..
أنتَ الدي طلبتَ الزواجَ مني.. وبعدَ رَفضٍ مني، ووُعودٍ منك، قلتُ، نعم، لأتخلصَ من دلكَ الإرتباكِ الرهيبِ، الدي قابَلتُكَ بهِ، لأقولَ لكَ، لا…… لا أريدُك..
لستَ من عالَمي، ولا يمكنُ أن تكونَ فتى أحلامي..
أنا أحترمكَ، وأخافك..
ولا يمكنُ أن يجتمعَ الخوفُ والحب..
أنا غيرُ قادرةٍ على أن أتصورَ أنني سأعيشُ معكَ حياتي، التي أقبِلُ عليها بكلِ شغفٍ، وأمَل..
وكانتِ الكارثة..
علي، بالدرجةِ الأولى، وعليكَ، وعلى أهلي جميعاً، وعلى صديقاتي، وأصدقائي، ومَعارِفي، وجيراني..
طلَبتُ أختي، مرةً، لتأتي إلى عندي، لأنني (مَريضة ).. جاءت، ووَجدتني مُنهارةً، ووَجَدتكَ تشتمني، وتدلني، وتصرخُ في وجهي، بشكلٍ مُرْعِبٍ، لم تتوقعْ أن تراكَ بهِ، يوماً، أيها (المُهَدب )..
خرجتَ من بابِ المَدخلِ، وأنتَ تشتُمُ، وتهين..
كانت متأكدةً أنكَ لم تبتعدْ، لكنها صَرَخَتْ في وَجهِ العالَمِ كلهِ، بصوتٍ مرتفعٍ، موجهَةً كلامَها لي :
– (ألله يلعنك، إدا ما بتطلقيه، من هالدقيقة… ألله يلعنك، إدا بتبقي معه بقا، لحظة واحدة )
لكنها الآن، مشغولةٌ بهمومِها، وأسرتها، وتلومني على قِلةِ تحَملي، وعدَمِ انسجامي معكَ، إدا سمعتني أشكو ما فاضَ عن قدرتي على التحَملِ..
مادا لو أخبَرتُها بكلِ شيء..؟!
مادا لو عرفتْ هيَ، أو أي فردٍ من أهلي ومَعارِفي، ومَعارِفِكَ، بكافةِ الحقائق..؟!
كيف ستكونُ نظرتُهم إليكَ، يا مَن تخافُ نظرةَ المُجتمَع..؟!
الحديثُ لن ينتهي، أيها الظالم..
يتبع..

صَوتُ مَحجوبَة 4
______________

– ال (..) أختك، كانت تقولُ لي : (والله، شايفة وعارفة، لكن، ليس بيدي حيلة ) وتبكي علي، بحُرقة.
فأهرَعُ لأقبلَ يَدَها، لأنها صَدقتني، أو تعاطفت معي.. فتسحبُها، قائلةً : (ألله لا يكتر خيرنا، إدا لم نعترِف )، وأنا أرتجفُ، وكياني الهَش يتزلزل، ودموعي تحاوِلُ التخفيفَ من انفعالي، دون جَدوى تُدكَر، رغمَ كلِ المُهَدئاتِ، التي عشتُ عليها، وبمساعدتِها، مند تزوجتُكَ، باطِلاً، وأقولُ لها :
– يكفي.. يكفي أنكِ تشعرينَ بي، وبمعاناتي..
مُعاناتي منكَ، وممن سَمَحتَ لهم باستباحةِ حقوقي، وكرامتي..
ألله لا يسامحكم..
وتسخرونَ مني، لأنني (مَريضة )
مَنِ الدي أمرَضني، أيها القُساةُ ، الساديون، المَغرورون..؟! مَن..؟!
ولأكنْ أكثرَ عَدلاً : مَنِ الدي لا يريدني أن أشفى، إلا بنسبةٍ مُعينةٍ، تسمحُ لهُ باستعبادي، واسترقاقي، والحصولِ على إعجابِ الناسِ بمُداراتهِ لي، وصَبرِهِ على معالجتي، والسخاءِ علي، مما جعلَ وضعهُ المادي، سيءٌ للغاية..؟!
أحاوِلُ الهروبَ إلى الرسمِ، لأخلقَ عالَماً أحبه.. وعندما برَعتُ بهِ، رغمَ كل محاولاتكَ، لعرقلتي، وضغطكَ علي، أنتَ، وأخوكَ، وزوجته، وحتى أختك.. مُسَخفينَ من قيمةِ لوحاتي، ومن المَعارِضِ التي أقيمُها، و حتى منَ المُعجَبين، وإرهاقي بكل ما يعرقِلُ مُمارستي لهوايتي المُفضَلة.. ساخِرينَ، ومسخفينَ الأمرَ أكثر، لأنني لا أتقاضى أجراً على لوحاتي، ولا أبيعُ، أثناءَ عَرضي لها بمعارِضَ فرديةٍ، أو جَماعية، سوى لبعضِ مَن يُشفقُ علي، ويشتري إحداها، أو بعضها، بثمَنٍ بَخس.. وتدلني، لأنكَ مازلتَ تصرفُ علي، ويشفقُ عليكَ الآخرونَ، لأنني لا أساعدك في الدخل..
الحديثُ طويلٌ، وصادِم..
مَحجوبة
يتبع..

صَوتُ مَحجوبة 5
______________

سألتُ أخيكَ، مرةً :
– هل تستطيعُ زوجتُكَ أن تعيشَ مَكاني، أسبوعاً كامِلاً..؟!
أطرَقَ متأثراً، وهو يقول :
– لا.. لا..
– وهل بإمكانِ إنسانةٍ طبيعيةٍ، أن تعيشَ مكاني، حتى ليومٍ واحِدٍ، وتبقى طبيعية..؟!
قال :
-لا.. لا، أبداً..
– هل قصرتُ بحق أخيكَ، يوماً، أو بحقِ أي فردٍ منكم، أنتم عائلته..؟!
– أبداً، أبداً..
– إداً.. لمادا تساهِمونَ في إهانتي، وإرهاقي، يا وائل..؟! لمادا تضيفونَ إلى تعَبِ قلبي، تعَباً آخر..؟!
أظنُ أن دموعَهُ كانت تسيلُ، أو، تكاد..
كان يقولُ لكَ، وللآخرين، أنهُ يشعرُ بالفخرِ عندما يتصلُ بهِ أحدٌ إلى بيتنا، وأجيبهُ أنا، بكل ترحيبٍ واحترام..
أنا لا أتصنعُ اللطافةَ، يا سادة..!!
هي من طبعي.. وكلكم تعرفون..

 

صَوتُ مَحجوبَة 6
_____________

– أتعرفين، لمادا تزوجتُ دلك العجوز..؟!
– !!!..
– لأنني لم أكن عدراء..!
– ويحكِ..
– لا تدهبي بعيداً..
– فاجأتِني، يا مَحجوبة..!
– دات يوم، كنتُ أجلسُ بمفردي، ألعبُ بالحَصى.. خطرَ لي أن أستكشِفَ تلكَ المنطقة المُحَرمَة من جسمي.. شعرتُ بمتعةِ الإكتشاف، فتعَمقتُ أكثر.. فوجئتُ بسائلٍ أحمر.. ارتعَبتُ.. ولم أعرف مادا حدث..
عُدتُ إلى البيت، وفي غفلةٍ من أمي، غسلتُ ثيابي، كدتُ أموتُ من شعوري بغرابةِ وهَولِ ماحَصل، و علي أن أخفيهِ عن الجميع..
– ويحَكِ، يا مَحْجوبَة..! ألم تخبري أمكِ..؟!
– يا ويلي..!! وأنا في هدا العمر، أخاف أن تعرفَ أمي، توفيت، ولم تعرف..
– وكيف كان موقفُ (أبو هالة )..؟!
– هه.. حاولتُ أن أوهِمَهُ أنني طبيعية، لكن، على مَن تكدبين، يا مَحْجوبَة..؟! على رجلٍ طاعنٍ في الحياة..؟!
– توقفي قليلاً.. إداً.. إداً لهدا كان قاسياً معكِ..!!
– أكيد..
– وأنجبتِ منه ابنتين..؟! هه..
– تسخرين..؟!
– لا..لا.. أكمِلي..
– كان علي، بعد الليلةِ الأولى، أن أخضعَ لكل طلباتهِ، وأوامِرِه، وإلا.. فضَحَني، أمام أهلي، وأمام الناس..
– ألم تخبريه بالحقيقة..؟!
– لا.. خجلتُ، وتظاهرتُ أنني طبيعيةٌ، لكن تشريح جسَدي يختلفُ قليلاً.. ولا أظنهُ اقتنع..
– لأولِ مرةٍ أعرفُ هدا، يا شقيقةَ روحي..
– وكيفَ أعترفُ لكِ، مهما كنتِ قريبةً من روحي..؟!

– لمادا تحتقرني، يا أبو هالة..؟!

– لأنكِ حقيرة.. وأقل مايمكن أن أفعلهُ معكِ، هو هدا..

– أنا امرأة محترَمة، لمادا يحترمني الجميعُ، إلا أنت..؟!

– لأنهم لايعرفونكِ..

ويُهرعُ إلى ضربي، فأبتعِدُ مرعوبةً من هَيَجانه..
مرةً، سمعتهُ أمهُ ينهرني ويدلني، ويركضُ نحوي ليضربني، وأنا واقفة على الباب، أناقشه، وأحاولُ تفريغَ بعضِ انفعالي، بشغلِ كنزةٍ لابنتي.. صرختُ بقوة، وتراجعَ (خَوْفاً علي ) كما أخبرَني لا حِقاً..
قَهَرَني أكثر، أن أمهُ لم تتحركْ من غرفتها..
كانت قد أخبرتني، عندَ أولِ مرةٍ تراهُ يصرخُ بي ويشتمني ويحاول ضربي :
– طولي بالكِ، يا ابنتي.. مثل أبيه، (يلعن أو صاحبهم ) لا يُحتَمَلون..
ولم تكنْ تجرؤ على أن تكلمه، إن لم أكنْ واسطة توصيل بينهما..

يتبع

صَوتُ مَحجوبَة 7
________________

عادت هالة إلي، مكسورةً، مقهورةً، مَهزومة.. ارتمتْ في حضني، لأولِ مرةٍ مند سنوات…
حكَت لي الكثير، واستمعتُ إليها جيداً، وبحنانِ أمٍ، تعرفُ حاجةَ ابنتها للحنان، تلكَ الحاجة التي حُرِمَت هيَ منها..
وعندما اطمأنتْ إلي، وأنني لن أناقشها، وهي في هده الحالة المدرية، هدأتْ قليلاً، وحاولتْ أن تعاملني كأم..

بعد أيام، حاولتُ أن أدربها على عادات جديدة إيجابية .. فابتدأتُ بترغيبها بالمطالعة .. لكن المطالعة يجب أن تجذب هالة، التي لم تعد ترى شيئا ً يحمل قيمة .. ولم يعد يغريها أي شيء، فوضَعتُ بين يديها، ما يثيرُ فضولَها، بعضا ً من مذكراتي، بشكلها البكر، دون زيادة أونقصان ..
فتحتها، وقرأتْ، وهي مضطجعةً على سريرها :
{ ثلاثون عاماً، وأنا أحمل حقيبتي الفارغة، إلا من همومي، وقهري، وحرماني، واضطهادي – ومن ذلك – انهياري ، وإرهاقي ، وضياعي ، وضعفي ، وعجزي عن مواجهة كل ذلك ..
ثلاثون عاماً، وأنا أحمل تلك الحقيبة، وأقف بالباب، أو أمامه، مستعدّة للرحيل، دون أن يدري أحدٌ ماسرّي، ماالذي دفعني إلى ذلك الضعف، والانهيار، والضياع، والإرهاق، والعجز ..
ثلاثون عاما ً، ما إن أجد مستندا ً أسند عليه رأسي المتعب، الذي يضجّ بمختلف أنواع الأسئلة،
أهمّها :
– ماذا جنيتُ ..؟؟؟؟!!!!
إلى أين ..؟؟؟؟!!!!
ثلاثون عاما ً، ما إن أضع ذلك الرأس المتعب، وذلك الجسم المرهق، على سندٍ، إلا ويتكسّر، ويتحطّم ذلك السند ..
دون أن أدري لماذا .. }

(عندما أكلمه في موضوع ما، لا يُبدي ارتكاساً، كأنّ وجهه جماد.. فأشتمه.. وأشتم نفسي التي لا تتعظ من تكرار الإهانات.. لكنني أعود وأعذرها :
العلةُ ليستْ فيكِ، أنتِ بحاجة إلى التواصُل، ولا يوجَدُ غيرُهُ في البيت، فهل تكلّمين حيطانَ المنزل..؟! أم هو أجدى من التحدّثِ إليه..؟! )

( ظلوا يُفهِمونني، ويغرسون في ذهني – وعلى مدى عقود – أنني تافهة.. وأنني – فقط – عبءٌ عليهم.. وعلى الحياة.. وليس لعملٍ أقومُ به أية قيمة.. لا مادّية.. ولا معنوية.. وليس لأية كلمة أنطقُ بها أيّ وزنٍ، أو قيمة.. إلاّ وزن التفاهة، والإزدراء.. وأنني محطّ سخرية.. ولا أحملُ أيةَ قيمةٍ إنسانية، أو حتى حيوانية.. أي أنني، باختصار.. لاشيء.
لذلك كنتُ أتكلّمُ .. دون شعورٍ بالمسؤولية.. ولم يكن نطقي إلاّ ما يفورُ خارجَ بركان ذاتيَ الصامتة.. فكان الكلامُ يأتي مشوّهاً.. إما منقوصاً.. أو زائداً.. أو تافهاً.. أو…..!!
مما كان يُغضبه.. بل يُغضبهم جميعاً..
هم كانوا يرونه هكذا.. وكنتُ أزدادُ اقتناعاً أنهم صادقون..
أيها الظالمون، الساديون..
أؤمنُ أنكم ستُسألون..
وأنني – عند حسابي – سأكونُ مسؤولةً عن حقوقي، التي سمحتُ لكم بتضييعها.. أو سَلبها.. !!
– هل تؤمنينَ بالحسابِ، والعقاب..؟!
عليّ أن أؤمن.. بل علينا أن نؤمنَ بذلك.. وإلاّ كنا كمن يسبحُ في الفراغ..
العملُ بدون إحساسٍ بقيمةِ هذا العمل، يُفقِدُ المرءَ الحافز.. وشعورُنا أننا نقومُ بعملٍ ما.. سنُكَرّمُ من خلاله.. أو نُعاقَب.. يزيدُ من شدّةِ الدافعِ لدينا.. )
___________________________________________
( يتهربون مني ، كأنني داء الجرب .. أو الطاعون الذي كان يفتك بأجدادهم أيام المجاعات والحروب..
محجوبة)
___________________________________________
{ سوف لن يسألني ما بكِ..
سوف لن يستفسر عمّا جرى لي..
عمّا أبكاني..وجعلني مكتئبة إلى هذه الدرجة..
سوف لن يفعل..
إنما أتجنب أن يعرف أنني مزعوجة..كي لايؤنبني..
وهو الأصغر مني سنا ً..
سوف يؤنبني –كالعادة-
سيتهمني أنني عملتُ عملا ً يستحقّ ذلك..بل أكثر..
سوف يدينني ..ليسدّ بابا ً آخر مفترَض ٌ أن يكون مُشرَعا ً في وجهي..أن يكون أحد الأبواب التي يمكن أن أعتبرها ملاذا ً دافئا ًآمنا ً من حَرّ الحياة وقرّها ..
لكن..
هل أكذب على نفسي كالعادة..؟!
هل أحوّل السواد الواقعيّ.. إلى بياض مُرتجى..كالعادة..؟!
سئمتُ ذلك الخداع الذي أخدع به نفسي..
لا أستطيع أن أواصل الحياة بشكل أجمل..
بشكل أنقى..
وأحسّ أنني لستُ وحيدة في هذا الخِضَمّ الواسع ..المضطرم..المضطرب..}
محجوبة..
{ أنقب في صحراء الروح..عن كنوز تسعدهم..
أقدّمها لهم سعيدة ً..منشرحة الصدر..بقدر انشراحهم..
والجواب:/ما إلك علاقة/..
عودي إلى صحرائكِ..
لسنا بحاجة لكنوزكِ..
لا تمتعنا..ولا تُسعِدُنا..
أنتِ تضايقيننا بفرضها علينا..
دعينا وشأننا..
/ الحق معكم/.. }

{ – نحن نقتل أي فكر مبدع ..
كل جديد نرفضه..أو نقبِلُ عليه.. بشكل أعمى..
دون النظر إلى مقدار خدمة هذا الجديد للإنسان الذي كرمته السماء.. وهو جدير بهذا التكريم..لأنه أرقى مخلوق على سطح الكرة الأرضية..
لماذا ..؟!
لأنه الأكثر قدرة على الابتكار والإبداع..
ومنحته القوة الخالقة، العيش.. ليكون وسيلة له للحياة الخالدة..
فهل أحسنا استثمار هذه المرحلة مابين ولادة الجسد ، وموته.. في سبيل أن نحيا .. ونساهم في خدمة الحياة ، والأحياء.. وعلى رأسهم البشر..؟!
أم ضللنا.. وتمسكنا بأصنامنا الجامدة ..؟!)

( – وضعتُ آلامي في سلة .. أحكمتُ إغلاقها بعد أن تأكدتُ أنني لم أنسَ شيئا ً..
– أينَ أرميها ..؟!
في تجمّع ِ النفايات ..؟!
لا .. هي أثمنُ من أن تلقى هناك ..
هي أيامي .. ولياليّ ..
هي عمريَ الماضي ..
سنيني ..
هي الصخرة ُ التي دستها بقدميّ .. وأقسمتُ أنها لن تسحقني ..
أقسمتُ أن أصلي فوقها .. لتنبتَ في كل زاوية ٍ من سطحها وردة ٌ ..
صليتُ – وأنا أضع فوقها كوما ً من تراب – أن تصير حديقة ً ..
أهدي ألوانها ، وعطرها ، وياسمينها .. للعابرين ، الطيّبين .. )

– لن أكتبَ تاريخ كتابةِ هده المدكرات، بناءً على رغبتكِ، ياغالية..
– أشكركِ..
– واجبي..

صَوتُ محجوبة ) 8
____________________

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print

إقرأ أيضامقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تابعونا على فيس بوك

مقالات