تخطى إلى المحتوى
آخر الأخبار
الرئيس الأسد يصدر مرسوماً تشريعياً بعفو عام عن جرائم الفرار والجنح والمخالفات المرتكبة قبل تاريخ الـ... الرئيس الأسد يشارك في الاحتفال الديني بذكرى المولد النبوي الشريف في جامع سعد بن معاذ الرئيس الأسد يصدر مرسوماً يقضي بتكليف الدكتور محمد غازي الجلالي بتشكيل الوزارة في سورية.. الرئيس الأسد يهنئ الرئيس تبون بفوزه في الانتخابات الرئاسية الجزائرية الرئيس الأسد يصدر مرسوماً تشريعياً برفع نسبة تعيين الخريجين الأوائل من المعاهد التقانية في الجهات ال... روسيا تطالب بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي الذي ينتهك السيادة السورية الرئيس الأسد يصدر مرسوماً بتعديل المواد المتعلقة بالعملية الانتخابية لغرف التجارة وغرف التجارة والصن... الرئيس الأسد يترأس اجتماعاً للقيادة المركزية.. وبحثٌ لدور كتلة الحزب داخل مجلس الشعب اللجنة العليا للاستيعاب الجامعي تقرر قبول الطلاب الناجحين بالشهادة الثانوية بفروعها كافة في الجامعات... الرئيس الأسد أمام مجلس الشعب: مجلسكم هو المؤسسة الأهم في مؤسسات الدولة وتأثيره لن يكون ملموساً إن لم...

لستُ غريبة..- الأديبة فاطمة صالح صالح

14159928_244434215951228_1207292190_nقبل قليل، كنتُ في حضرةِ (أم عماد) وزوجة (عماد) و(أم شادي) وصديقهم كلهم الإبن الغالي (وائل).. وفي حضرة أخت (الشهيد) أنا… رغم أنف الخونة والقتلة…
( اسماعيل صالح، رخص الموت ) …أخي.. ولي الشرف. كان رائداً في الجيش العربي السوري، واستشهِدَ قرب المعرة، في طريقهِ إلى عملهِ فيكِ ياشهباء…
ولم يُعتبر شهيداً..
كان عمر زوجته، حوالي 24 عاماً.. وابنته سنتين ونصف.. وابنه شهر ونصف…..
وراح أخي…
( شادي ) قريبي، استُشهِدَ، بعد غيبوبةٍ دامت عدة أشهر.. كان يحرسُ (محطة محردة)..
(عِماد ) كان عميداً في الجيش العربي السوري.. استُشهِدَ، بعدَ حصارٍ طويلٍ، وتجويعٍ، وتعديبٍ، وتنكيل، في (مدرسة المُشاة ) فيكِ ياشهباء.. عادَ، رغم الجراح، وظل يدافعُ عن وطنهِ الأم، واستُشهِد في ( الراموسة ) مندعدة أشهر..
وهناك الكثير من شهداء قريتي، مشاعل النور.. إخوتكم في الوطن والإنسانية.. أيهاالأبراااار….
وسنخلصُ لهم، كعادتنا……………………….
أختُ وأم وصديقةُ كل شريفٍ وشريفة، في سوريا الأم، والعالم..
فاطمة صالح سليم صالح
المريقب
_______________
أجلسُ الآن، على كرسي بلاستيكي، أزرق، فيروزي، أمام بيت (أم عِماد ) في قريتنا ( المْرَيقِب )..
الساعةُ تشيرُ إلى التاسعة تماماً، صباح يوم الإثنين 19/9/2016..
– ألو.. أين أنتِ..؟!
– كنتُ عند عِماد، والآن في طريقي إلى البيت..
– أنا أمام بيتكم، بانتظارِك، وإن أحبَبتِ أن تزوري أحداً، بإمكاني تأجيل الزيارة..
– لا.. انتظريني..
__________________
بانتظارِها، لم تُشبعْ روحي بعضُ خطواتٍ غربيةٍ في (الزاروب )..
عُدتُ، ونزلتُ بمُحاذاةِ بيت أم عِماد، من الغرب، على دربٍ ضيقٍ، شاسِع، يحوي الكثير من الذكرياتِ البِكْر..
تراءى لي أبي وأخته : ( – والله، يامرت عمي.. نحنا ما سرقنا القزات، وما اشترينا فيهن ملبس.. وما كلنا تشبعنا.. وما كبينا الباقي بخربة بيت العَجي.. )..
سمعتُ، وشاهدتُ الضحكاتِ والإبتسامات المُحِبة، على براءةِ الطفولة، ماتزال تتردد منذعشرات السنين..
نزلت عدة درجات، بعضها إسمنتي، وأخرى ترابية، تعلوها الحصى والتراب وأوراق أيلول..
(ورقو الأصفر، شهر أيلول.. ذكرني فيك..)
بابُ المَحل مُغلق.. إذاً، فلأمشِ حيث تريد روحي، وعسى ألا تخونني قدماي.. ولن تخون..
عدة أمتارٍ، غرباً، باتجاهِ بيتِنا في قلبِ المْرَيْقِب.. رقصت روحي طرَباً، وحُزناً، وحَنيناً..
هنا، كنا نمشي، يا أمي، في شهوركِ الأخيرةِ فوقَ هذه الفانية.. أمسككِ من أصابعِ كفيكِ، ونمشي قريباً من البيتِ الذي فقدتِ منه أقوى أركانِك.. أمشي إلى الخلف، وأنتِ أمامي.. أحرص على ألا يميلَ جسدُكِ الغالي، فلا تنقصكِ آلام..
عيناكِ، ماتزالُ تلكَ الصورةُ المؤلمةِ حتى أعماقِ الروح، تحتفظ بتوَهانِها، تكويني نظرتُكِ الفارغة تلك..
أيتها الشمسُ التي فقدتْ بَريقها، وتبحث عن مَلجأ حَنون…
رأيتُني أصرخ محتجةً على تهديدِكَ، ياغالي، مُتمتِماً، كي لا يسمعكَ غيري :
– عودي.. لا أسمحُ لكِ بالنزولِ معي إلى (الرعية ) رفاقي الصبيان ينتظرونني.. ماذا ستفعلين بيننا.. ؟!
– ماذاحدَث..؟! لماذاتصرخين..؟!
– إسماعيل ضربني، يا أمي..
أقسم أنكَ لم تضربني..!!
وتشفعُ لي روحُكَ الطيبة، وتسامحني، كعادتِكَ يا غالي..
أتجه نزولاً نحو الشمال.. (الحاكورة )على يساري، و (جَوزات أم محمود ) على يميني..و..و.. ألتقي بنا، على يسار الدرب النازل نحو (المْغيسِل ) و (عين شْعات ) ونحن نجولُ في حقلِ الفولِ الأخضر، نأكل ونجني ونأكل.. كم كنتُ أحب ( فول الجَقَل )..!!وكم كنتَ تستلذ بال ( بورطاط ) وأنا، أيضاً..
تكادُ شتلاتُ الفولِ تغمرُ أجسادَنا الصغيرة..
ونصعدُ نحو البيت..
رغبةٌ جامحةٌ، قادتني نحو (السقالْ )..
و حنينٌ.. حنين..
هنا، على يميني، استيقظتْ ذكريات..
أنا، وأنتَ، وبعضُ أطفالِ قريتنا.. جيران، وأصدقاء.. نبحثُ في تلكَ التُربةِ الرطبة، وتحت شجر السنديانِ العريق، عن (بَيضِ الحَمام ).. هاهيَ أوراقُ نبتاتٍ تشبهُ أوراقه.. وبأعوادِ السنديانِ الصغيرةِ ننكشُ الأرضَ، وعلى عُمقِ عدة سنتيمترات، تظهرُ لنا ( بَيضةً ) معلقةَ بجذورِه.. نزقزقُ فرحين.. ولا نيأسُ إن كانت مجرد (بَحْصَة ) بيضاء.. فالأرضُ غنية..
ومن غربِ الحقلِ، تبحثُ عن ( طَوافيحِكَ ) التي حَفرتَها في الأرضِ، ورَفعتَ فوق كل ( طافوحَةٍ ) حَجَراً رقيقاً على مقاسِ فمها، تسندهُ أعوادٌ هَشةٌ، غالباً ما تسقطُ مُغلِقةً الحفرةَ على عصفورةٍ صغيرةٍ، أغرَتها تلكَ ( الدودةُ ) أو (الحَرقوص) فلامَسَ جنحُها الأعوادَ الصغيرةَ، وهي تغيرُ لتلتقطَ ( الطُعْمَ ) القاتِل.. فتشهَقُ فرحاً، وتسارعُ للإمساكِ بها، بمنتهى الحَذر.. ترفعُ باليُسرى طرفَ الحجر، ببطئٍ شديد.. وباليُمنى تغيرُ على جَسَدِ العصفورةِ المسكينة.. ونادراً ما (تفلتُ ) من قبضتِك..
كم مرةٍ، ضحكتم علي، أنتَ وإخوتي، وباقي الصبيان، وأنا أتوسلُ إليكم أن تطلِقوها، حَرةً في فضائها الواسع..!!
تكادُ دموعي تسيلُ، عندما تتضاحكون.. فأغريكم بمالي :
– خذوا.. فرنك.. فرنكين.. واعطوني العصفورة..
وأطلِقُها، منشرحةَ الصدر.. وأنتم تلهون بلعبةٍ أخرى..
***
عُدتُ بنفسِ الدربِ، أدفعُ عن ترابهِ بعضَ الحَصى الكبيرةَ والصغيرة، كي لا ( يتدعفر ) بها أحدُ النازلينَ إلى حقولِهم..
كم كنتُ سعيدةً، عندما حَضَرَتْ ذاتيَ الحقيقيةَ، التي كونَتها هذه التُربَةُ المُغمسةُ بعرقنا ودمائنا، وعرق ودماء أسلافِنا..!!
هذه، التي منها وَلَدَتنا أمهاتُنا، وبها ستُدفَنُ أجسادُنا، كما دَفنتهم، نساءً، ورجالاً، شيوخاً، وأطفالاً..
توقفتُ أكثر من مرة، وأنا أصعدُ الدربَ الأليف..
لستُ غريبة..
مهما كبرت بيَ السنون، ومهما أبعَدَتني الأماكنُ، والدروب…
أنا من هنا.. وإلى هنا..
بكم، ومنكم، وإليكم.. يا أهليَ الطيبين.. أيها البسطاء، العقلاء الكادحين..
تثقون بالناس، لأنكم ذوو ثقة.. لكن بعضَ الناس، ليسوا مثلكم.. وليسوا أهل ثقة..
القريبُ، نعرفه، بسلبياته وإيجابياته.. أما الغريب، فالحذر منه مُضاعَف.. وغالباً ما ينظر إلينا نظرةً دونية.. فنغضب، لكن، من الداخِل، وفي الداخلِ، مَقبرة الغضب.. ( والكاظمين الغيظ. والعافين عن الناس )..
***
وصلتُ إلى شرقِ بيتِنا، دخلتُ (الزاروبَ ) ثانيةً.. دفء حياتي.. جنتي.. بعد أن عبَرتُ (الدوارة ).. شعرتُ بجيبِ بنطالي الجينز (من البالي ) يهتز قليلاً، وسمعتُ نجاة (إلا إنتَ..).. أغلقتهُ، وطرَقتُ بابَ الدار :
– ها أنذا، يا أم عماد.. عرفتُ أنكِ أنتِ..
شربنا المتة، فطرنا ( شنكليش ) من صُنعِها، طلبتُ بصلة يابسة صغيرة ( قزحة ).. وعلى الطربيزة الخشبية، أمامنا، كان صحن ( الشنكليش) مع زيت الزيتون، يتجاوَرُ مع صحنٍ بلاستيكي آخر، فيه بَصلة مقطعة، و إبريق ماءٍ ساخن، وكأسين من المتة، وربطةُ الخبز على يمين أم عماد، تناولني منها ما أريد، وبين فترةٍ وأخرى، تضيف كمية من زيت الزيتون على صحن ( الشنكليش ).. ويطرقُ (وائل ) باب الدار، يكلمها، ويدخل، مع طفلتهِ (سَلام ) :
– أسمَيتُها سلام، لأنها وُلِدَت في الخامس والعشرين من أيار..
– وماذا تسميها، إذاً..؟!
ونضحك.. وقلوبنا تغص قهراً وحنيناً، تترجمهُ عيوننا الرطبة، وجفوننا الحمراء..
– سامحيني، ياخالتو.. أتيتُ بثيابِ البيت..
– صدقني، ياخالتو، لا أعرف ماذا ترتدي، ولا يهمني..
– هل تعرف أنني حضرتُ (عرسَ ) أبويكَ، وكنتُ في الصف السابع..؟!
داعَبتُ الصغيرةَ، وتوددتُ إليها.. ساعدها أبوها لتستأنسَ بي.. أجفِلتَ قليلاً، لأنها تراني للمرة الأولى.. ثم ما لبثتْ أن بادلتني الفرح، وارتمَتْ في حضنِ أم عِماد، جارتهم، مَكسورة الأجنحة، مرفوعة الرأس، كادحة، لاتعرف سوى الحَلال، والعيشَ البسيط، من تعبها، وتعب زوجها الكادح، المرحوم (عبد الحميد العجي )، الذي غادَرها منذ عشرات السنين.. كان عماد، وناديا، قد كبرا قليلاً.. أما أكرم، فكان بعمر سبعة أشهر.. ربتهم (كل شبر بندر )..
بعد قليل، حضرت ( مريم ) أم الشهيد الغالي ( شادي )..
شربنا معاً، المتة.. وشرب ( وائل ) القهوة..
هاه.. هاهي ( ليلى )..
– يا مرحباً بليلى.. لم أزركِ بعد استشهاد عماد، لأن حماتكِ أخبرتني أن أبناءكِ يدرسون، تحضيراً للإمتحانات..
بَرَقتْ عيناها بالدموع.. هيئتها مكسورة، تكابرُ على الزمان..
– لماذا ترتدين الأسود..؟! افرحي، لتُسعِدي (عِماد )..
وأنتِ، يا أم ( شادي )..
أنا لم ألبس الأسود، يوماً.. لا على أخي، أو أمي، أو أبي.. ولا على أحد ممن سَبَقوني إلى روحِ الأرض..
ولا أريدُ لأحدٍ أن يلبسَ الأسوَدَ بعد رحيلي..
مَن يحبني، يُسعِدني وأنا حَية.. أما بعدَ مَوتي، فليبكِ قليلاً، وليفرحْ قدرَ إمكانِه.. وبهذا يُسعِدُني..
تواعَدنا أن أزورهن، إن أحيانا الله، عندما تسمح لي الظروف..
فأنا لا أتصالَحُ مع ذاتي، إلا إذا تماهَيتُ معكِ، يا قريتي الغالية..
فأنا منكِ، وإليكِ..
و……………… لستُ غريبة..
– قبل أن تذهبَ، يا حبيبي، أريد أن أحَملكَ أمانة:
– تفضلي، خالتي..
– كتُبي، هي أبنائي.. وأنا أهديتُها للكثيرين والكثيرات، وأهديتُها لمكتبة ابتدائية ( المريقب )..أرجو أن تقرؤوها، وتحتفظوا بها.. إن كنتم تحبونني..
– لنا الفخر بها، وبكِ، ياخالتو.. وسنحفظ الأمانة..
***
كانت أصُصُ الوردِ الصغيرة، تعطرُ جلستنا، أمام بيت أم عماد، فوق أرضها الإسمنتية، التي لا تهمنا حفرُها.. تتربعُ على عرش بعضِ حجارة ( الخفان ) التي تفصلها عن حوضِ ترابٍ مسمدٍ، بعرضِ مترٍ، تظللهُ، شجرةُ رمانٍ مثمرة، وبعضُ النباتاتِ والأشجارِ البلدية، الأصيلة..
ساعدتني حبة ( الفاليوم 5) على صعودِ الطريقِ الإسفلتية المحفرة، فوصلتُ بقليلٍ من التعبِ، إلى بيتنا الآخرِ، البعيد.. فتحتُ البابَ الحديدي، ودخلتُ.. فتحتُ ( النت ) كتبتُ بعضَ الكلمات، واسترحتُ..
تحدثنا عن مجزرة (دير الزور ) وأن الشهداء والجرحى، من مختلف ألوان الطيف السورية، يجسدون وحدةَ الوطنِ المستهدَفِ – وطننا بكل مكوناتهِ، ونحن أقوى باتحادنا.. ومَن يكفرنا، ويستبيحُ دماءنا ( أن تبوءَ بإثمي ) لأننا لسنا آلهةً، لنعرفَ مافي الصدور.. نتآخى مع الجميعِ، إلا المُعتدي، والمُستكبِر، فهوَ عدونا، من أول الخلقِ، إلى يوم الدين..
____________________________________________________
فاطمة

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print

إقرأ أيضامقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تابعونا على فيس بوك

مقالات