عالم مخمليّ، قلوب كالدرر، وأرواح باذخة الطهر، إن أسأت إليهم اليوم في الغد ينسون وبكلمة تستطيع أن تمحو تلك الإساءة ذلك لأن قلوبهم بيضاء لا تحمل على أحد.
الأطفال أهم مورد في الحياة ، وهم أساس المستقبل والحياة ، كل طفل فنان.. المشكلة هي كيف يظل فناناً عندما يكبر، التحمل هو أول شيء يجب على الطفل تعلمه، وهو أكثر شيء سيحتاج لمعرفته ، سيرى أطفالك كل ما أنت عليه من خلال طريقتك في العيش وليس من خلال ما تقوله .
شراسة الحرب وفظاعتها لا تكمن في تخريب معالم المدن فقط، بل تتجلى بشاعتها في تخريب النفوس وتعكير المستقبل وإفساد أجيال لاحقة برمتها ، حيث تركت الصراعات التي تعيشها المنطقة ملايين الأطفال بلا تعليم، تلك الصراعات التي لا تسرق من الطفولة ألَقَها فحسب، بل تمتد إلى أحلامها .
وأحلامنا في الطفولة بريئة لا تساورها الشكوك .. أحلام كنا حينها متأكدين إننا سوف ننجزها … لم نكترث لهموم الحياة وتعقيداتها لم نكن ندرك بان طريق تحقيقها سوف يكون مليئاً بالأشواك ، بل كنا نتخيلها طريقاً معبده ، طريقاً يغطيها بساط احمر لذلك كنا نبعد بخيالنا إلى أقصى الحدود .
باتت حياة المدنيين تحت تهديد الموت الحتمي مما دفع الكثير من المواطنين للنزوح نحو أماكن أخرى أكثر أمانا، لكن فصول معاناتهم لم تنته، بل أخذت تتشعب وتأخذ أشكالًا عديدة ، انغماس الكثيرين منهم في العمل واختيار الأمية بديلاً للتعليم لتأمين قوت اليوم ،كما أن خوف الحرب الذي تغلغل في الجميع، دفع بآلاف المعلمين لترك وظائفهم .
و أهم أسباب عمالة الأطفال هو الوضع الاقتصادي المتردي، فبعد أن فقدت معظم الأسر معيلها وتدنى دخلها بسبب الأوضاع الاقتصادية، اضطرت لزج أبنائها في سوق العمل ليكون عملهم كنوع من ترميم واقع اقتصادي سيء تعيشه الأسرة..
«إنني في الحادية عشرة من عمري تركت المدرسة وأنا في الصفّ السادس».. هكذا بدأ محمد من ريف دمشق يشرح حلمه الذي تحطّم على عتبات الواقع، بعد أن لجأ هو وعائلته للسكن في المناطق الآمنة غير منطقته ..
ويتابع محمد حديثه :»إنّ تقدّم والدي بالسنّ وزواج إخوتي أجبراني على العمل لإعالة أهلي الذين لم يتبقّ لهم معيل سواي، وما دفعني للخروج إلى العمل في أعمال العمارة وتكسير الأحجار ونقلها، فأصبحت أخرج من المنزل مع بزوغ الشمس حتى المغيب ، فاليوم الذي لا أعمل فيه سننام جياعاً وقد تلجأ بعض الأسر إلى إرسال أبنائها للعمل من أجل التخلص من نفقات مدارسهم أو نفقاتهم الشخصية، فيصبح عمل الطفل مكسباً خاصة إذا تعلم منه عملاً أو مهنة محددة، فتكون في نظرهم نوع من الاستقرار المادي وهنا يكمن اعتقاد الأسر بعدم فائدة التعليم في العائد الاقتصادي أو تأخر نتائجه .
هيثم الذي لا يتجاوز الثامنة تحدث باكيا «إنني أتمنى العودة للمدرسة وإكمال دراستي والالتحاق بالجامعة أسوه بجميع إخوتي» وتابع ..«لكنني أجبرت على الانتقال إلى دمشق أنا وأسرتي من أجل العمل وكسب المعيشة» .
ويعد هذا عاملاً اجتماعياً في عمالة الأطفال، بالإضافة إلى تفكك الأسرة حيث يجد الطفل ملاذاً آمناً في العمل أو مكاناً يستقر به بعيداً عن المشاكل الأسرية.
أمر آخر أشار إليه سليم في حديثه ،الطالب ابن 14 عاماً، يدفع عربة يد ،يشتغل مقابل قدر من المال يمثل دخلا هاما لأسرته المكونة من 11 فرداً :«في واقعنا هذا تراجعت أحلام أطفالنا شيئا فشيئا .. بدأت التضحيات بهذه الأحلام ..و لم تعد تلك التي كانت في طفولتنا.. بل لم يعد لدينا ذلك التفاؤل والأمل في تحقيقها .. ثبطت عزيمتنا وإرادتنا في تحقيقها ..» وتابع ..» كنت الأول في صفي ولكن ظروف المعيشة و قسوة الظروف التي نعيشها لانتقالنا إلى منطقة أخرى أكثر أمانا ، و العدد الكبير لأسرتي منعني من الاستمرار في الدراسة والعمل أسوة بأخوتي «
من خلال تلك الحالات التي تعكس مشاهد واسعة من حياة الشعوب التي تجد أنفسها في مستنقعات الحرب، يظل جيل الأطفال الأكثر تأثّراً وضياعاً، لأنّهم يفترض أن يكونوا أمل الغد والمستقبل، لكنّهم يصبحون وقود الحرب ويحرقون في جحيم الحاضر، ومن هنا تتجلّى الفجيعة المستقبلية بضياع مستقبل البلاد .
عمل الأطفال يقاس بتطور المجتمع ، فكلما تطور المجتمع قلت هذه الظاهرة، وبالتالي فهي إن دلت على شيء تدل على مجتمع متخلف لا يتطلع لمستقبله ومستقبل أطفاله، فما علينا إلا أن نسعى للحد من تلك الظاهرة أو ذلك القاتل الصامت الذي يقتل براءة أطفالنا، من أجل الأخذ بيدهم نحو مستقبل أفضل يحقق لهم كل الحقوق الإنسانية التي يتمتع بها ومساعدتهم في العيش بظل حياة كريمة تصان فيها الحقوق و الواجبات .