قبل أيام قليلة؛ مرّت ذكرى رحيل الشاعر السوري نزار قباني (30/4/1998)، هذا الشاعر الذي لايزالُ يُثيرُ الجدل في كل مُناسبة يُذكر فيها، سجال حول غير قضية، منها قضايا تشكلت منذ نصوصه الأولى، تلك النصوص التي استدعت أعضاء البرلمان السوري حينها للاجتماع والتداول بشأنها، وانقسم القوم حينها بين مُكفرٍ للشاعر، وقومٌ قلة وجدت له مخرجاً ما لحرية مُقفّ من حقه أن يُعيد صياغة المُعتاد بمفهوم آخر، ونظرة جديدة للحياة، ومن يومها، ولايزال القوم يختلفون بما أنجزه الشاعر.
وثمة قضايا جديدة تتولد مع كل قراءة جدّية لما أنجزه نزار قباني ومدى أهميته وأسبقيته وتجديده. عشرون سنة، ولم يتفق قرّاء أو حتى ليسوا قراء، فالكثير ممن تحدث في شعره لم يقرأه، وإنما بنى رأيه لما قد قيل بحق الرجل وشعره فيما مضى. وإذا لم يكن من أهميّة لما أنجزه نزار قباني غير مسألة الجدل في شعره إلى اليوم، فيكفي ذلك لتأكيد أهمية القول الشعري والفكري عند شاعرٍ استثنائي، أمسى قطباً من أقطاب الشعر السوري، بل الشعر العربي كله من محيطه إلى خليجه، وصار «مذهباً» شعرياً، رواده اليوم في مختلف أرجاء العالم العربي يصيغون على منحى قوله الشعري، سواء في البنية أو في شواغل القصيدة، وهنا لابأس أن نذكر أن أقطاب الشعر العربي، يُمكن تكثيفها في ثلاثة، ونقولها، وبعيداً عن أي «إقليمية»، إنّ هؤلاء الثلاثة كانوا سوريين حتى العظم؛ وهم نزار قباني كشاعر لغة، عندما أنزلها من أبراج جذالتها إلى صحون العامة ومطابخ ربات البيوت، والماغوط كشاعر تراكيب، له اليد الطولى في زحزحة المفردات من سياقاتها المعتادة، ووضعها في عمارة فنية مختلفة، بعد منحها مهمات جمالية لغوية غير ما عُرفت به لسنواتٍ بعيدة، وهناك أدونيس الشاعر الذي لا يهدأ على تجدد يُحرّك «الثابت» في «متحوّلٍ» لا يلوي على سكون، شاعرٌ مُفكّر رفع من شأن القصيدة إلى مستوى الفلسفة.
وأهميّة ما قدّمه نزار قباني؛ تكمن في جسارته وشجاعته عندما أطلق سهام القصيدة التي نزلت كحامض على كلس المجتمعات وأعرافها القديمة، وهو أيضاً ما اشتغل عليه القطبان الآخران لسنين محَنٍ مجتمعية
علي الراعي